هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ : لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا : إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ : آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا : أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ. وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا : آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا : إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، وَما كانُوا مُهْتَدِينَ. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ. أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ، يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ. يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»..
وفي ثنايا هذه الحملة على المنافقين - الذين في قلوبهم مرض - نجد إشارة إلى «شَياطِينِهِمْ». والظاهر من سياق السورة ومن سياق الأحداث في السيرة أنها تعني اليهود، الذين تضمنت السورة حملات شديدة عليهم فيما بعد. أما قصتهم مع الدعوة فنلخصها في هذه السطور القليلة :
لقد كان اليهود هم أول من اصطدم بالدعوة في المدينة وكان لهذا الاصطدام أسبابه الكثيرة.. كان لليهود في يثرب مركز ممتاز بسبب أنهم أهل كتاب بين الأميين من العرب - الأوس والخزرج - ومع أن مشركي العرب لم يظهروا ميلا لاعتناق ديانة أهل الكتاب هؤلاء، إلا أنهم كانوا يعدونهم أعلم منهم وأحكم بسبب ما لديهم من كتاب. ثم كان هنالك ظرف موات لليهود فيما بين الأوس والخزرج من فرقة وخصام - وهي البيئة التي يجد اليهود دائما لهم فيها عملا! - فلما أن جاء الإسلام سلبهم هذه المزايا جميعا.. فلقد جاء بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه. ثم إنه أزال الفرقة التي كانوا ينفذون من خلالها للدس والكيد وجر المغانم، ووحد الصف الإسلامي الذي ضم الأوس والخزرج، وقد أصبحوا منذ اليوم يعرفون بالأنصار، إلى المهاجرين، وألف منهم جميعا ذلك المجتمع المسلم المتضام المتراص الذي لم تعهد له البشرية من قبل ولا من بعد نظيرا على الإطلاق.
ولقد كان اليهود يزعمون أنهم شعب اللّه المختار، وأن فيهم الرسالة والكتاب. فكانوا يتطلعون أن يكون الرسول الأخير فيهم كما توقعوا دائما. فلما أن جاء من العرب ظلوا يتوقعون أن يعتبرهم خارج نطاق دعوته، وأن يقصر الدعوة على الأميين من العرب! فلما وجدوه يدعوهم - أول من يدعو - إلى كتاب اللّه، بحكم أنهم أعرف به من المشركين، وأجدر بالاستجابة له من المشركين.. أخذتهم العزة بالإثم، وعدوا توجيه الدعوة إليهم إهانة واستطالة! ثم إنهم حسدوا النبي - ﷺ - حسدا شديدا. حسدوه مرتين