شرعت السورة بالقسم بالملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد لإثبات البعث : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً.. [الآيات : ١ - ٥] والمقسم عليه محذوف وهو «لتبعثن» لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة، وهو : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [٦ - ٧]، أو بدليل إنكارهم للبعث في قوله تعالى : أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ [١٠].
ثم وصفت أحوال المشركين المنكرين البعث، فصوّرت مدى الذعر الشديد والاضطراب الذي يكونون عليه يوم القيامة، وذكرت مقالتهم في إنكار البعث والردّ عليهم : قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ.. [الآيات : ٨ - ١٤].
وناسب ذلك إيراد قصة موسى عليه السلام مع فرعون الطاغية الجبار الذي ادّعى الربوبية، ثم أهلكه اللّه وجنوده بالغرق في البحر، للعظة والعبرة، والدلالة على كمال القدرة الإلهية، بإفهامهم أن الكرّة والإعادة ليست صعبة على اللّه، فما هي إلا زجرة أو صيحة واحدة : هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى.. [الآيات : ١٥ - ٢٦].
ثم خاطب اللّه منكري البعث خطابا يتضمن إثبات البعث بالبرهان الحسي، متحديا طغيانهم وتمردهم على رسول اللّه - ﷺ -، ومذكرا إياهم أنهم أضعف من خلق السموات والأرض والجبال : أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها..[الآيات : ٢٧ - ٣٢].
وختمت السورة ببيان أهوال يوم القيامة، وانقسام الناس فيه فريقين :
سعداء وأشقياء، وسؤال المشركين عن ميقات الساعة، وتفويض أمرها إلى اللّه تعالى، لا إلى أحد حتى الرسول - ﷺ -، وتأكيد حدوثها، وذهول المشركين من شدة هولها، ومعرفتهم أن مكثهم في الدنيا كمقدار العشي أو الضحى : فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى.. [الآيات : ٣٤ - ٤٦] (١).
وهي مكية. وعدد آياتها ست وأربعون آية، والسورة الكريمة تضمنت القسم بالنجوم أو الملائكة على إثبات البعث، وأنه سهل ميسور، ثم هددت المشركين بذكر قصة فرعون ونهايته، ثم بينت بعض مظاهر القدرة وأن خلق الناس أقل من غيره، وبينت حالهم يوم القيامة. ثم ختمت السورة ببيان بعض الحقائق المتعلقة بيوم البعث. (٢)
وتسمى سورة الساهرة والطامة وهي مكية بالاتفاق وعدد آيها ست وأربعون في الكوفي وخمس وأربعون في غيره. وعن ابن عباس أنها نزلت عقب سورة عم وأولها يشبه أن يكون قسما لتحقيق ما في آخر عم أو

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٣٠)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨١٥)


الصفحة التالية