والاستدلال على إثبات البعث وهو مما كان يدعوهم إليه حين حضور ابن أم مكتوم وذلك كان من أعظم ما عني به القرآن من حيث إن إنكار البعث هو الأصل الأصيل في تصميم المشركين على وجوب الإعراض عن دعوة القرآن توهما منهم بأنه يدعوا إلى المحال، فاستدل عليهم بالخلق الذي خلقه الإنسان، واستدل بعده بإخراج النبات والأشجار من أرض ميتة.
وأعقب الاستدلال بالإنذار بحلول الساعة والتحذير من أهوالها وبما يعقبها من ثواب المتقين وعقاب الجاحدين.
والتذكير بنعمة الله على المنكرين عسى أن يشكروه.
والتنويه بضعفاء المؤمنين وعلو قدرهم ووقوع الخير من نفوسهم والخشية، وأنهم أعظم عند الله من أصحاب الغنى الذين فقدوا طهارة النفس، وأنهم أحرياء بالتحقير والذم، وأنهم أصحاب الكفر والفجور (١).
مناسبتها لما قبلها
كان مما ختمت به سورة « النازعات » قوله تعالى :« إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها » وكان فى ذلك ما يشير إلى المقام الذي يأخذه النبي من قومه، الذين لج بهم الضلال والعناد، وجعلوا همهم المماحكة والمجادلة، ولقاء النبي بالأسئلة التي لا محصّل لها ولا ثمرة منها.. إنهم لم يؤمنوا بوقوع هذا اليوم ـ يوم القيامة ـ وسؤالهم عن موعد شىء لا يؤمنون به ولا يصدقون بوجوده، إنما هو ضلال من ضلالهم. وجاءت سورة « عبس » مفتتحة بهذا الموقف، الذي كان بين النبي وبين جماعة من المعاندين الضالين، الذين طمع النبي فى هدايتهم، فصرف إليهم وجهه كله، دون أن يلتفت إلى ذلك الأعمى، الذي آمن باللّه، والذي جاءه يطلب مزيدا من النور والهدى.. وكلّا، فإنه ليس ذلك من محامل دعوة النبي، التي رسم اللّه له طريقها فى قوله :« إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ».. وهؤلاء الضالون المعاندون لا يخشون اللّه، ولا يؤمنون باليوم الآخر، ولن يؤمنوا أبدا مهما طال وقوفك معهم.. وكلا :« إِنَّها تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ » (٢)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « عبس » من السور المكية، وتسمى سورة « الصاخة » وسورة « السفرة » لوقوع هذه الألفاظ فيها.
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٤٤٦)