* ابتدأت السورة الكريمة بذكر قصة الأعمى " عبد الله بن أم مكتوم " الذي جاء الى رسول الله ( - ﷺ - ) يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، ورسول الله ( - ﷺ - ) مشغول مع جماعة من كبراء قريش، يدعوهم إلى الإسلام، فعبس ( - ﷺ - ) في وجهه وأعرض عنه، فنزل القرآن بالعتاب[ عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، او يذكر فتنفعه الذكرى، أما من استغنى، فأنت له تصدى ] الآيات
* ثم تحدثت عن جحود الإنسان، وكفره الفاحش بربه مع كثرة نعم الله تعالى عليه [ قتل الإنسان ما أكفره، من أي شيء خلقه، من نطفة خلقه فقدره، ثم السبيل يسره... ] الآيات
* ثم تناولت دلائل القدرة في هذا الكون، حيث يسر الله الإنسان سبل العيش فوق سطح هذه المعمورة [ فلينظر الإنسان الى طعامه أنا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الأرض شقا، فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا، وزيتونا ونخلا ] الآيات
* وختمت السورة الكريمة ببيان أهوال القيامة، وفرار الإنسان من أحبابه من شدة الهول والفزع، وبينت حال المؤمنين وحال الكافرين في ذلك اليوم العصيب [ فإذا جاءت الصاخة، يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه، وجوه. يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوة يومئذ عليها غبرة، ترهقها قترة، أولئك هم الكفرة الفجرة. (١)
إن استعراض مقاطع السورة وآياتها - على هذا النحو السريع - يسكب في الحس إيقاعات شديدة التأثير.
فهي من القوة والعمق بحيث تفعل فعلها في القلب بمجرد لمسها له بذاتها.
وسنحاول أن نكشف عن جوانب من الآماد البعيدة التي تشير إليها بعض مقاطعها مما قد لا تدركه النظرة الأولى.
«عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى؟ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ؟ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى؟ وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى؟ وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى؟! كَلَّا! إِنَّها تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ»..
إن هذا التوجيه الذي نزل بشأن هذا الحادث هو أمر عظيم جدا. أعظم بكثير مما يبدو لأول وهلة. إنه معجزة، هو والحقيقة التي أراد إقرارها في الأرض، والآثار التي ترتبت على إقرارها بالفعل في حياة البشرية.

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٤٥٨)


الصفحة التالية
Icon