اللّه، وبتصرفاته هو وتوجيهاته المنبعثة من حرارة انفعاله بالتوجيه القرآني الثابت - أن يزرع هذه الحقيقة في الضمائر وفي الحياة وأن يحرسها ويرعاها، حتى تتأصل جذورها، وتمتد فروعها، وتظلل حياة الجماعة المسلمة قرونا طويلة.. على الرغم من جميع عوامل الانتكاس الأخرى..
كان رسول اللّه - ﷺ - بعد هذا الحادث يهش لابن أم مكتوم ويرعاه ويقول له كلما لقيه :«أهلا بمن عاتبني فيه ربي» وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة..
ولكي يحطم موازين البيئة وقيمها المنبثقة من اعتبار الأرض ومواضعاتها، زوج بنت خالته زينب بنت جحش الأسدية، لمولاه زيد بن حارثة. ومسألة الزواج والمصاهرة مسألة حساسة شديدة الحساسية. وفي البيئة العربية بصفة خاصة.
وقبل ذلك حينما آخى بين المسلمين في أول الهجرة، جعل عمه حمزة ومولاه زيدا أخوين. وجعل خالد بن رويحة الخثعمي وبلال بن رباح أخوين! وبعث زيدا أميرا في غزوة مؤتة، وجعله الأمير الأول، يليه جعفر بن أبي طالب، ثم عبد اللّه بن رواحة الأنصاري، على ثلاثة آلاف من المهاجرين والأنصار، فيهم خالد بن الوليد.
وخرج رسول اللّه - ﷺ - بنفسه يشيعهم.. وهي الغزوة التي استشهد فيها الثلاثة رضي اللّه عنهم.
وكان آخر عمل من أعماله - ﷺ - أن أمّر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم، يضم كثرة من المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر وزيراه، وصاحباه، والخليفتان بعده بإجماع المسلمين.
وفيهم سعد بن أبي وقاص قريبه - ﷺ - ومن أسبق قريش إلى الإسلام.
وقد تململ بعض الناس من إمارة أسامة وهو حدث. وفي ذلك قال ابن عمر رضي اللّه عنهما - : بعث رسول اللّه - ﷺ - بعثا أمر عليهم أسامة بن زيد - رضي اللّه عنهما - فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي - ﷺ - إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل. وأيم اللّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ. وإن هذا لمن أحب الناس إلي « أخرجه الشيخان والترمذي.»..
ولما لغطت ألسنة بشأن سلمان الفارسي، وتحدثوا عن الفارسية والعربية، بحكم إيحاءات القومية الضيقة، ضرب رسول اللّه - ﷺ - ضربته الحاسمة في هذا الأمر فقال :«سلمان منا أهل البيت « أخرجه الطبراني والحاكم. »» فتجاوز به - بقيم السماء وميزانها - كل آفاق النسب الذي يستعزون به، وكل حدود القومية الضيقة التي يتحمسون لها.. وجعله من أهل البيت رأسا!
ولما وقع بين أبي ذر الغفاري وبلال بن رباح - رضي اللّه عنهما - ما أفلت معه لسان أبي ذر بكلمة «يا بن السوداء».. غضب لها رسول اللّه - ﷺ - غضبا شديدا وألقاها في وجه أبي ذر عنيفة مخيفة :«يا