وظل ميزان السماء يرجح بأهل التقوى ولو تجردوا من قيم الأرض كلها.. في اعتبار أنفسهم وفي اعتبار الناس من حولهم. ولم يرفع هذا الميزان من الأرض إلا قريبا جدا بعد أن طغت الجاهلية طغيانا شاملا في أنحاء الأرض جميعا. وأصبح الرجل يقوم برصيده من الدولارات في أمريكا زعيمة الدول الغربية. وأصبح الإنسان كله لا يساوي الآلة في المذهب المادي المسيطر في روسيا زعيمة الدول الشرقية. أما أرض المسلمين فقد سادت فيها الجاهلية الأولى، التي جاء الإسلام ليرفعها من وهدتها وانطلقت فيها نعرات كان الإسلام قد قضى عليها.
وحطمت ذلك الميزان الإلهي وارتدت إلى قيم جاهلية زهيدة لا تمت بصلة إلى الإيمان والتقوى..
ولم يعد هنالك إلا أمل يناط بالدعوة الإسلامية أن تنقذ البشرية كلها مرة أخرى من الجاهلية وأن يتحقق على يديها ميلاد جديد للإنسان كالميلاد الذي شهدته أول مرة، والذي جاء ذلك الحادث الذي حكاه مطلع هذه السورة ليعلنه في تلك الآيات القليلة الحاسمة العظيمة.. (١)
مقصودها شرح ) إنما أنت منذر من يخشاها ) [ النازعات : ٤٥ ] بأن المراد الأعظم تزكية القابل للخشية بالتخويف بالقيامة التي قام الدليل على القدرة عليها بابتداء الخلق من الإنسان، وبكل من الابتداء والإعادة لطعامه والتعجيب ممن أعرض مع قيام الدليل والإشارة إلى أن الاستغناء والترف أمارة الإعراض وعدم القابلية والتهيؤ للكفر والفجور، وإلى أن المصائب أمارة للطهارة والإقبال واستكانة القلوب وسمو النفوس لشريف الأ " مال، فكل من كان فيها أرسخ كان قلبيه أرق وألطف فكان أخشى، فكان الإقبال عليه أحب وأولى، واسمها عبس هو الدال على ذلك بتأمل آياته وتدبر فواصله وغاياته، وكذا الصاخة النافخة بشرها وشررها والباخة (٢)
ما جاء فى هذه السورة الكريمة من مقاصد
(١) عتاب الرسول - ﷺ - على ما حدث منه مع ابن أم مكتوم الأعمى.
(٢) أن القرآن ذكرى وموعظة لمن عقل وتدبّر.
(٣) إقامة الأدلة على وحدانية اللّه بخلق الإنسان والنظر فى طعامه وشرابه.
(٤) أهوال يوم القيامة.
(٥) الناس فى هذا اليوم فريقان : سعداء وأشقياء، وذكر حال كل منهما حينئذ. (٣)
================

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٨٢٢)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٣٢٣)
(٣) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٥١)


الصفحة التالية
Icon