وأردفت ذلك على سبيل المقارنة والعبرة والجمع بين الترغيب والترهيب ببيان أن صحائف الأبرار في أعلى عليين، وأنها في كتاب مرقوم بعلامة متميزة عن صحائف الفجار : إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ.. [الآيات ١٨ - ٢٨].
وختمت السورة بوصف موقف المجرمين من المؤمنين، حيث كانوا يستهزئون ويضحكون منهم في الدنيا لإيمانهم وتقواهم ربهم، ثم انعكاس هذا الموقف في الآخرة حيث صار المؤمنون يتضاحكون من الأشقياء المجرمين ويسخرون منهم، وينظرون إليهم وهم يعذبون في النار وما يلقونه من النكال : إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ.. [الآيات ٢٩ - ٣٦]. (١)
وهي مكية في قول الأكثرين، وعدد آياتها ست وثلاثون آية، وتتضمن هذه السورة تفصيلا لبعض أنواع الفجور كالتطفيف في الكيل، والتكذيب بيوم الدين، والاعتداء على الغير، والقول بأن القرآن أساطير الأولين، وسبب هذا، وجزاؤه يوم القيامة، ثم تفصيل جزاء الأبرار، فكأن هذه السورة جاءت بيانا للسورة السابقة. (٢)
ويقال لها سورة المطففين، واختلف في كونها مكية أو مدنية فعن ابن مسعود والضحاك أنها مكية، وعن الحسن وعكرمة أنها مدنية وعليه السدّي، قال : كان بالمدينة رجل يكنى أبا جهينة له مكيالان يأخذ بالأوفى ويعطي بالأنقص فنزلت. وعن ابن عباس روايات فأخرج ابن الضريس عنه أنه قال : آخر ما نزل بمكة سورة المطففين، وأخرج ابن مردويه والبيهقي عنه أنه قال : أول ما نزل بالمدينة وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ويؤيد هذه الرواية ما أخرجه النسائي وابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح وغيرهم عنه قال : لما قدم النبي - ﷺ - المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل اللّه تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فأحسنوا الكيل بعد ذلك وفي رواية عنه أيضا وعن قتادة أنها مكية إلّا ثمان آيات من آخرها إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا [المطففين : ٢٩] إلخ وقيل : إنها مدنية إلّا ست آيات من أولها وبعض من يثبت الواسطة بين المكي والمدني يقول إنها ليست أحدهما بل نزلت بين مكة والمدينة ليصلح اللّه تعالى أمر أهل المدينة قبل ورود رسول اللّه - ﷺ - عليهم، وآيها ست وثلاثون بلا خلاف والمناسبة بينها وبين ما قبلها أنه سبحانه لما ذكر فيما قبل السعداء والأشقياء ويوم الجزاء وعظم شأنه ذكر عز وجل هنا ما أعد جل وعلا لبعض العصاة وذكر سبحانه بأخس ما يقع من المعصية وهو التطفيف الذي لا يكاد يجدي شيئا في تثمير المال وتنميته، مع اشتمال هذه السورة من شرح حال المكذبين المذكورين هناك على زيادة تفصيل كما لا يخفى.

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ١٠٩)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٣٦)


الصفحة التالية
Icon