فتربط بين السماء وما فيها من بروج هائلة، واليوم الموعود وأحداثه الضخام، والحشود التي تشهده والأحداث المشهودة فيه.. تربط بين هذا كله وبين الحادث ونقمة السماء على أصحابه البغاة.
ثم تعرض المشهد المفجع في لمحات خاطفة، تودع المشاعر بشاعة الحادث بدون تفصيل ولا تطويل.. مع التلميح إلى عظمة العقيدة التي تعالت على فتنة الناس مع شدتها، وانتصرت على النار وعلى الحياة ذاتها، وارتفعت إلى الأوج الذي يشرف الإنسان في أجياله جميعا. والتلميح إلى بشاعة الفعلة، وما يكمن فيها من بغي وشر وتسفل، إلى جانب ذلك الارتفاع والبراءة والتطهر من جانب المؤمنين :«النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ. وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ»..
بعد ذلك تجيء التعقيبات المتوالية القصيرة متضمنة تلك الأمور العظيمة في شأن الدعوة والعقيدة والتصور الإيماني الأصيل : إشارة إلى ملك اللّه في السماوات والأرض وشهادته وحضوره تعالى لكل ما يقع في السماوات والأرض : اللّه «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»..
وإشارة إلى عذاب جهنم وعذاب الحريق الذي ينتظر الطغاة الفجرة السفلة وإلى نعيم الجنة... ذلك الفوز الكبير.. الذي ينتظر المؤمنين الذين اختاروا عقيدتهم على الحياة، وارتفعوا على فتنة النار والحريق :«إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ - ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا - فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ»..
وتلويح ببطش اللّه الشديد، الذي يبدئ ويعيد :«إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ. إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ».. وهي حقيقة تتصل اتصالا مباشرا بالحياة التي أزهقت في الحادث، وتلقي وراء الحادث إشعاعات بعيدة..
وبعد ذلك بعض صفات اللّه تعالى. وكل صفة منها تعني أمرا..
«وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ» الغفور للتائبين من الإثم مهما عظم وبشع. الودود لعباده الذين يختارونه على كل شيء. والود هنا هو البلسم المريح لمثل تلك القروح! «ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ».. وهي صفات تصور الهيمنة المطلقة، والقدرة المطلقة، والإرادة المطلقة.. وكلها ذات اتصال بالحادث.. كما أنها تطلق وراءه إشعاعات بعيدة الآماد.
ثم إشارة سريعة إلى سوابق من أخذه للطغاة، وهم مدججون بالسلاح.. «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ. فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ؟» وهما مصرعان متنوعان في طبيعتهما وآثارهما. ووراءهما - مع حادث الأخدود - إشعاعات كثيرة.
وفي الختام يقرر شأن الذين كفروا وإحاطة اللّه بهم وهم لا يشعرون :«بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ. وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ»..