ثم أبانت للإنسان ما يعترضه من الأهوال والمصاعب يوم القيامة وطريق اجتيازها بالإيمان والعمل الصالح وإنفاق المال في جهات البر والخير، ليكون من الأبرار السعداء أهل اليمين : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ... [الآيات ١١ - ١٨].
وقابلت ذلك بتوضيح منهج الأشقياء الفجار أهل الشمال، وهو الكفر بآيات اللَّه، فيتميز المؤمنون عن الكفار، ويتبين مآل الفريقين إما إلى الجنة أو إلى النار : وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا.. [١٩ - ٢٠]. (١)
مكية على الصحيح، وآياتها عشرون آية، وهي تتضمن القسم على أن الإنسان في كبد. وأن المغرور يظن أن لن يقدر عليه أحد، ثم بيان بعض نعم اللّه على الإنسان، ثم دعوته لاقتحام العقبة، مع بيان أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة. (٢)
مكية في قوله الجمهور بتمامها، وقيل مدنية بتمامها، وقيل مدنية إلّا أربع آيات من أولها. واعترض كلا القولين بأنه يأباهما قوله تعالى بِهذَا الْبَلَدِ [البلد : ١، ٢] قيل ولقوة الاعتراض ادعى الزمخشري الإجماع على مكيتها وسيأتي إن شاء اللّه تعالى أن في بعض الأخبار ما هو ظاهر في نزول صدرها بمكة بعد الفتح، وهي عشرون آية بلا خلاف. ولما ذم سبحانه فيما قبلها من أحب المال وأكل التراث أكلا لمّا ولم يحض على طعام المسكين ذكر جل وعلا فيها الخصال التي تطلب من صاحب المال من فك الرقبة وإطعام في يوم ذي مسغبة وكذا لما ذكر عز وجل النفس المطمئنة هناك ذكر سبحانه هاهنا بعض ما يحصل به الاطمئنان (٣)
مقصودها الدلالة على نفي القدرة عن الإنسان، وإثباتها لخالقه الديان ن بذكر المخلص منها، الموصل إلى السعادة في الآخرة، وهو ما هدى إليه ربه سبحانه، وذلك هو معنى اسمها، فإن من تأمل أمان أهل الحرم وماهم فيه من الرزق والخير على قلة الرزق ببلدهم - مع ما فيه غيرهم ممن هم أكثر منهم وأقثوى - من الخوف والجوع علم ذلك (٤)
تضم هذه السورة الصغيرة جناحيها على حشد من الحقائق الأساسية في حياة الكائن الإنساني ذات الإيحاءات الدافعة واللمسات الموحية. حشد يصعب أن يجتمع في هذا الحيز الصغير في غير القرآن الكريم، وأسلوبه الفريد في التوقيع على أوتار القلب البشري بمثل هذه اللمسات السريعة العميقة.. (٥)

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٢٤١) و تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ١٥٥)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٦٤)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ٣٤٩)
(٤) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٤٢٥)
(٥) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٠٨)


الصفحة التالية