أما النصف الثاني من سورة آل عمران فقد كان نزول ما يقرب من ستين آية منه « ٣ » في أعقاب غزوة أحد.
هذا ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسير هذه السورة الكريمة بالتفصيل أن نذكر على سبيل الإجمال ما اشتملت عليه من توجيهات سامية، وآداب عالية، وأحكام جليلة، وتشريعات قويمة.
إنك عند ما تفتح كتاب اللّه - تعالى - وتطالع سورة آل عمران تراها في مفتتحها تثبت أن المستحق للعبادة إنما هو اللّه وحده، وتقيم البراهين الساطعة على ذلك.
الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ.
ثم بعد أن مدحت أصحاب العقول السليمة لقوة إيمانهم، وشدة إخلاصهم وكثرة تضرعهم إلى خالقهم - سبحانه - وبشرتهم بحسن العاقبة.. بعد أن فعلت ذلك ذمت الكافرين وتوعدتهم بسوء المصير فقالت : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ. قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ.
ثم تحدثت عن الشهوات التي زينت للناس، وبينت ما هو خير منها، وصرحت بأن الدين الحق الذي ارتضاه اللّه لعباده هو دين الإسلام، وأن أهل الكتاب ما تركوا الحق الذي جاءهم به محمد - ﷺ - إلا بسبب ما استولى على قلوبهم من بغى وجحود، وأنهم بسبب ما ارتكبوه من كفر وجرائم في الدنيا، سيكون حالهم يوم القيامة أسوأ حال وسيكون مصيرهم أشنع مصير، فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
ثم نهت السورة الكريمة المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء وأصدقاء يلقون إليهم بالمودة، وذكرتهم بأن اللّه - تعالى - لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا السماء، وأنه - سبحانه - سيحاسب كل نفس بما كسبت يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً.
فإذا ما طالعت - أيها القارئ الكريم - الربعين : الثالث والرابع منها، وجدت فيهما حديثا حكيما عن آل عمران.
قد تحدثت السورة الكريمة عما قالته امرأة عمران - أم مريم - عند ما أحست بالحمل في بطنها، وعما قالته عند ما وضعت حملها.
قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى، وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ.
وتحدثت عن الدعوات الخاشعات التي تضرع بها زكريا إلى ربه، سائلا إياه الذرية الطيبة، وكيف أن اللّه - تعالى - أجاب له دعاءه فبشره بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ.


الصفحة التالية
Icon