* ثم ذكر تعالى قصة [ ثمود ] قوم صالح حين كذبوا رسولهم، وطغوا وبغوا في الأرض وعقروا الناقة التي خلقها الله تعالى من صخر أصم معجزة لرسوله صالح عليه السلام، وما كان من أمر هلاكهم الفظيع الذي بقى عبرة لمن يعتبر، وهو نموذج لكل كافر فاجر، مكذب لرسل الله [ كذبت ثمود بطغواها. إذ انبعث أشقاها. فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها. فكذبوه فعقروها.. ] الآيات.
* وقد ختمت السورة الكريمة بأنه تعالى لا يخاف عاقبة إهلاكهم وتدميرهم، لأنه [ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ] ولهذا قال سبحانه :[ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها ]. (١)
مقصودها إثبات تصرفه سبحانه وتعالى في النفوس التي هي سرج الأبدان، تقودها إلى سعادة أو كيد وهوان ونكد، كما أن الشمس سراج الفلك، يتصرف سبحانه في النفوس بالاختيار إضلالا وهداية نعيما وشقاوة تصرفه سبحانه في الشمس بمثل ذلك من صحة واعتلال، وانتظام واختلال، وكذا في جميع الأكوان، بما له من عظيم الشأن، واسمها الشمس واضح الدلالة على ذلك بتأمل القسم والمقسم عليه بما أعلم به وأشار إليه (٢)
هذه السورة القصيرة ذات القافية الواحدة، والإيقاع الموسيقي الموحد، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة والتي تظهر كأنها اطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة. حقيقة النفس الإنسانية، واستعداداتها الفطرية، ودور الإنسان في شأن نفسه، وتبعته في مصيرها.. هذه الحقيقة التي يربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة.
كذلك تتضمن قصة ثمود، وتكذيبها بإنذار رسولها، وعقرها للناقة، ومصرعها بعد ذلك وزوالها. وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكي نفسه، فيدعها للفجور، ولا يلزمها تقواها : كما جاء في الفقرة الأولى في السورة :«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها».. (٣)
مقاصد هذه السورة
اشتملت هذه السورة على مقصدين :
(١) الإقسام بالمخلوقات العظيمة على أن من طهر نفسه بالأخلاق الفاضلة فقد أفلح وفاز، وأن من أغواها ونقصها حقها بجهالته وفسوقه فقد خاب.
(٢) ذكر ثمود مثلا لمن دسى نفسه فاستحق عقاب اللّه الذي هو له أهل. (٤)
================

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٤٩٢)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٤٣٧)
(٣) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩١٥)
(٤) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ١٧٢)


الصفحة التالية