ما اشتملت عليه السورة :
محور السورة سعي الإنسان وعمله وجزاؤه في الآخرة.
افتتحت السورة بالقسم بالليل والنهار وخالق الذكر والأنثى على أن عمل الناس مختلف، فمنهم التقي ومنهم الشقي، ومنهم المؤمن ومنهم الفاجر : وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى.. [الآيات ١ - ٤].
ثم أوضحت أن الناس فريقان، وحددت منهج وطريق كل فريق، وجزاء كل منهم في الآخرة : أهل الإيمان والسعادة والجنة : وهم الذين بذلوا المال وصدقوا بوعد اللَّه في الآخرة، وأهل الكفر والشقاوة والنار : وهم الذين بخلوا بالأموال واستغنوا عن ربهم عز وجل، وأنكروا ما وعد اللَّه به من الجنة : فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى.. [الآيات ٥ - ١٠].
وأعقبت ذلك ببيان عدم جدوى المال في الآخرة، وأن اللَّه واضع دستور الهداية، وأنه مالك الدنيا والآخرة : وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى [١١ - ١٣] ودلّ هذا التحذير من عذاب اللَّه والإنذار بالنار على أنه العقاب المستحق لكل من كذب بآيات اللَّه تعالى وبرسوله - ﷺ - : فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى.. [١٤ - ١٦].
يبذل ماله في طرق الخير مخلصا لوجه اللَّه، دون قصد مكافأة أحد، ولا لمصلحة دنيوية عند إنسان، وذلكم المثال هو أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه : وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى.. [الآيات ١٧ - ٢١]. (١)
مكية على الصحيح. وآياتها إحدى وعشرون آية، وفيها أقسم اللّه على أن الناس مختلفون في العمل والثواب، ثم أنذرهم نارا حامية أعدت لمن عصى وحرمت على من أطاع، وهذه السورة قيل : إنها نزلت في أبى بكر - رضى اللّه عنه - ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (٢)
لا خلاف في أنها إحدى وعشرون آية، واختلف في مكيتها ومدنيتها فالجمهور على أنها مكية، وقال علي ابن أبي طلحة مدنية، وقيل بعضها مكي وبعضها مدني. وكذا اختلف في سبب نزولها فالجمهور على أنها نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه، وروي ذلك بأسانيد صحيحة عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما وقال السدّي إنها نزلت في أبي الدحداح الأنصاري وذلك أنه كان في دار منافق نخلة يقع منها في دار يتامى في جواره بعض بلح فيأخذه منهم، فقال له - ﷺ - :«دعها لهم ولك بدلها محل في الجنة» فأبى فاشتراها أبو الدحداح بحائطها فقال للنبيّ - ﷺ - :«أهبها لهم بالنخلة التي في الجنة». فقال - ﷺ - :«افعل» فوهبها فنزلت وروى نحوه مطولا مبهما فيه أبو الدحداح ابن أبي حاتم عن ابن عباس

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٢٦٦)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٧٠)


الصفحة التالية
Icon