عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [١ - ٤] وذلك بقصد تسلية الرسول - ﷺ - وإيناسه عما يلقاه من أذى قومه الشديد في مكة والطائف وغيرهما.
٢ - وعد اللَّه له بتيسير المعسر، وتفريج الكرب عليه، وإزالة المحن والشدائد، وتبشيره بقرب النصر على الأعداء : فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [٥ - ٦].
٣ - أمره بمواظبة العبادة والتفرغ لها بعد القيام بتبليغ الرسالة شكرا للَّه على ما أنعم عليه : فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [٧].
٤ - أمره بعد كل شيء بالتوكل على اللَّه وحده، والرغبة فيما عنده : وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ [٨]. (١)
مكية. وآياتها ثمان آيات، وهي كسابقتها في تعداد النعم التي من اللّه بها على نبيه، مع تطمينه، وحثه على العمل. (٢)
وتسمى سورة الشرح وهي كما روي عن ابن الزبير وعائشة مكية، وأخرج ذلك ابن الضريس والنحاس والبيهقي وابن مردويه عن ابن عباس. وفي رواية عنه زيادة نزلت بعد الضحى وزعم البقاعي أنها عنده مدنية، وفي حديث طويل أخرجه ابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه ما هو ظاهر في أن قوله تعالى فيها فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح : ٥، ٦] نزل بالمدينة لكن في صحة الحديث توقف. وآيها ثمان بالاتفاق وهي شديدة الاتصال بسورة الضحى حتى أنه روي عن طاوس وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقولان هما سورة واحدة، وكانا يقرآنهما في الركعة الواحدة وما كانا يفصلان بينهما ببسم اللّه الرحمن الرحيم وعلى ذلك الشيعة كما حكاه الطبرسي منهم. قال الإمام : والذي دعا إلى ذلك هو أن قوله تعالى أَلَمْ نَشْرَحْ [الشرح : ١] كالعطف على قوله تعالى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً [الضحى : ٦] وليس كذلك لأن الأول كان عند اغتمام الرسول - ﷺ - من إيذائه الكفرة وكانت الحالة حال محنة وضيق صدر، والثاني يقتضي أن يكون حال النزول منشرح الصدر طيب القلب فأنى يجتمعان وفيه نظر، والحق أن مدار مثل ذلك الرواية لا الدارية والمتواتر كونهما سورتين والفصل بينهما بالبسملة. نعم هما متصلتان معنى جدا ويدل عليه ما في حديث الإسراء الذي أخرجه ابن أبي حاتم (٣) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ :

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٢٩١)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٧٦)
(٣) - مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ (٣٣٣٩ ) صحيح
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ شَيْئًا يُبَيِّنُ بِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ جِنْسِ مَا آتَاهُ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْهُمْ مِمَّا أَبَانَهُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ سِوَاهُ مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَسَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ وَمِنْهُمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آتَاهُ أَنْ يُبْرِئَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِهِ، وَأَنْ يُخْرِجَ الْمَوْتَى بِإِذْنِهِ فَكَانَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِعْلَامُهُ إِيَّاهُ أَنَّهُ قَدْ آتَاهُ مَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ مِمَّا قَدِ اقْتَصَّ فِي الْحَدِيثِ وَمِمَّا لَمْ يَقْتَصَّ فِيهِ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ مِمَّا خَاطَبَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، حَتَّى جَعَلَهُ مَذْكُورًا فِي الْأَذَانِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ إِلَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي افْتَرَضَهَا عَلَى خَلْقِهِ، وَتَعَبَّدَهُمْ بِهَا، وَلَمْ يُؤْتِ ذَلِكَ أَحَدًا مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ سُلَيْمَانَ، وَمِنْ عِيسَى، وَمِمَّنْ سِوَاهُمَا مِنْهُمْ، وَجَعَلَهُ مَعَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِي تِلْكَ السُّورَةِ، وَلَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَذْكُورًا فِي الصَّلَوَاتِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا وَمُصَلَّى عَلَيْهِ فِيهَا فِي التَّشَهُّدِ لَهَا، فَوَدَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَقَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَ إِيَّاهُ مِمَّا قَدْ كَانَ أَعْطَاهُ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، ثُمَّ رَوَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ أَحَطْنَا عِلْمًا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ "


الصفحة التالية
Icon