الممكن أن ينهزم المسلمون في حرب ولو كان فيهم رسول اللّه - ﷺ - إذا ما خالفوا عن أمره، وسلكوا غير سبيل النصر، وأن لهم النصر على عدوهم وإن فاقهم عددا وعدة إذا ما استطاعوا أن يرتفعوا إلى ما فوق فاعلية عدوهم إيمانا وعلما وتنظيما ».
لقد بدأت سورة آل عمران حديثها عن غزوة أحد بتذكير المؤمنين بما فعله الرسول - ﷺ - قبل بدء المعركة من إعداد وتنظيم للصفوف، وبما هم به بعضهم من فشل، وبما تم لهم من نصر على أعدائهم في غزوة بدر.. استمع إلى القرآن وهو يحكى كل ذلك فيقول : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وفي هذا الربط بين الغزوتين تذكير للمؤمنين بأسباب انتصارهم في بدر وأسباب هزيمتهم في أحد : حتى يسلكوا في مستقبل حياتهم السبيل التي توصلهم إلى الظفر، ويهجروا الطريق التي تقودهم إلى الفشل.
ثم وجهت السورة نداء إلى المؤمنين نهتهم فيه عن التعامل بالربا، وحثتهم على المسارعة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى رضوان اللّه، لأنه إذا كان أعداؤهم يجمعون المال من كل طريق لحربهم، فعليهم هم أن يتحروا الحلال في جمعهم للمال، وأن يتبعوا الوسائل الشريفة التي تبلغهم إلى غايتهم النبيلة، ثم حضتهم على الاعتبار بسنن اللّه في خلقه، وأمرتهم بالتجلد والصبر، ونهتهم عن الوهن والضعف، وبشرتهم بأنهم هم الأعلون، وشجعتهم على مواصلة الجهاد في سبيل اللّه فإن العاقبة لهم، وأخبرتهم بأن ما أصابهم من آلام وجراح في أحد، قد أصيب أعداؤهم بمثلها، وأن الأيام دول، وأن هزيمتهم في أحد من ثمارها أنها ميزت قوى الإيمان من ضعيفه، لأن المصائب كثيرا ما تكشف عن معادن النفوس، وخفايا الصدور.
قال - تعالى - قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ. هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ. وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ.
ثم بينت السورة الكريمة أن الآجال بيد اللّه وحده، وأن محمدا - ﷺ - رسول قد خلت من قبله الرسل، وسيدركه الموت كما أدركهم. وأن الأخيار من أتباع الرسل السابقين كانوا يقاتلون معهم بثبات وصبر من أجل إعلاء كلمة اللّه.. فعلى المؤمنين في كل زمان ومكان أن يقدموا على الجهاد في سبيل اللّه بعزيمة صادقة، وبنفوس مخلصة لأن الإقدام لا ينقص شيئا من الحياة، كما أن الإحجام لا يؤخرها، وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا.


الصفحة التالية
Icon