المائدة : ٣ ] وأفرده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على ذلك وأعلمه أنه صار لنا عيدين : عيدا من جهة كونه يوم عرفة، وعيدا من جهة كونه يوم جمعة (١)
الحديث في هذه السورة عن تلك الليلة الموعودة المشهودة التي سجلها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال.
ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى. ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب محمد - ﷺ - ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعا.
العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري :«إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟».. «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»..
والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد ترف وتنير. بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود. نور اللّه المشرق في قرآنه :«إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى :
«تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ».. ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقا مع نور الوحي ونور الملائكة، وروح السلام المرفرف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود :«سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ».
والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان :«إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».. والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان، كما ورد في سورة البقرة :«شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ».. أي التي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرسول - ﷺ - ليبلغه إلى الناس. وفي رواية ابن إسحاق أن أول الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان، ورسول اللّه - ﷺ - يتحنث في غار حراء.
وقد ورد في تعيين هذه الليلة آثار كثيرة. بعضها يعين الليلة السابعة والعشرين من رمضان. وبعضها يعين الليلة الواحدة والعشرين. وبعضها يعينها ليلة من الليالي العشر الأخيرة. وبعضها يطلقها في رمضان كله. فهي ليلة من ليالي رمضان على كل حال في أرجح الآثار.