مناسبتها لما قبلها :
هذه السورة كالعلة لما قبلها، فكأنه لما قال سبحانه : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قيل : لم أنزل القرآن؟ فقيل : لأنه لم يكن الذين كفروا منفكّين عن كفرهم، حتى تأتيهم البينة، فهي كالعلة لإنزال القرآن، المشار إليه في سورة القدر المتقدمة.
ما اشتملت عليه السورة :
هذه السورة المدنية تحدثت عن الأمور الثلاثة التالية :
١ - بيان علاقة أهل الكتاب (اليهود والنصارى) والمشركين برسالة النبي - ﷺ -، وموقفهم منها، وإقلاعهم عن كفرهم بسببها : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا... [الآيات ١ - ٤].
٢ - تحديد الهدف الجوهري من الدين والإيمان وهو إخلاص العبادة للَّه عز وجل : وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.. [٥].
٣ - توضيح مصير كل من الكفار المجرمين الأشقياء شر البرية، والمؤمنين الأتقياء السعداء خير البرية : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ.. (١)
وتسمى سورة البرية أو « لم يكن »، وآياتها ثمان آيات، وفيها الرد على الكفار من المشركين وأهل الكتاب، ببيان أن ما جاء به النبي هو الحق، ثم ذكرت جزاء من بقي على الكفر منهم، ومن آمن بالنبي - ﷺ -. (٢)
وتسمى سورة القيامة وسورة البلد وسورة المنفكين وسورة البرية وسورة لم يكن. قال في البحر : مكية في قول الجمهور. وقال ابن الزبير وعطاء بن يسار : مدنية قاله ابن عطية، وفي كتاب التحرير مدنية وهو قول الجمهور، وروى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية واختاره يحيى بن سلام انتهى. وقال ابن الفرس : الأشهر أنها مكية ورواه ابن مردويه عن عائشة وجزم ابن كثير بأنها مدنية، واستدل على ذلك بما أخرجه الإمام أحمد وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني وابن مردويه عن أبي خيثمة البدري قال : لما نزلت لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إلى آخرها قال جبريل عليه السلام : يا رسول اللّه إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا فقال النبي - ﷺ - لأبي رضي اللّه تعالى عنه :«إن جبريل عليه السلام أمرني أن أقرئك هذه السورة» فقال أبي : أو قد ذكرت ثم يا رسول اللّه؟ قال :«نعم» فبكى وهذا هو الأصح. وآيها تسع في البصري وثمان في غيره. وجاء في فضلها ما أخرجه أبو موسى المديني في المعرفة عن إسماعيل بن أبي حكيم

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٣٣٩)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٨٨)


الصفحة التالية
Icon