فى الحياة، نجدها حين تقوم حالة حرب بين الناس، فتزلزل الأرض تحت أقدام الجيوش الزاحفة نحو ساحة القتال، بما يركبون من خيل، وما يحملون من عدد القتال، وهم يصدرون من بيوتهم فى سرعة الرياح العاصفة إلى لقاء العدو، لا يمسكهم شىء عن الانطلاق حتى يبلغوا ساحة الحرب..
قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا
هكذا يوم الحرب.. إنه من يوم القيامة قريب فى أهواله، وشدائده، وما يلقى الناس منه، من هول وشدة. ففى ميدان الحرب، حساب وجزاء، وربح وخسران، وهول وفزع، يشمل المحاربين جميعا. فالحرب، وميدانها فى الدنيا، هى أقرب شىء يمثّل به المحشر، والحساب، والجزاء فى الآخرة.. ولهذا جاءت سورة العاديات تالية سورة الزلزلة، لهذه المشابه التي بينهما. (١)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « العاديات » وتسمى - أيضا - سورة « والعاديات » بإثبات الواو، يرى بعضهم أنها من السور المكية، ولم يذكر في ذلك خلافا الإمام ابن كثير، ويرى بعضهم أنها مدنية.
قال الآلوسى : مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء. ومدنية في قول أنس وقتادة وإحدى الروايتين عن ابن عباس. فقد أخرج عنه البزار، وابن المنذر، وابن أبى حاتم، والدّارقطنيّ، وابن مردويه أنه قال : بعث رسول اللّه - ﷺ - خيلا، فاستمرت شهرا لا يأتيه منها خبر، فنزلت هذه السورة... « ١ ».
وهذه الرواية التي ساقها الآلوسى وغيره في سبب نزول هذه السورة، ترجح أنها مدنية، وإن كان كثير من المفسرين يرى أنها مكية، والعلم عند اللّه - تعالى -.
٢ - وعدد آياتها إحدى عشرة آية، ومن أهم أغراضها ومقاصدها، التنويه بشأن الجهاد والمجاهدين، وبفضل الخيل التي تربط من أجل إعلاء كلمة اللّه - تعالى - وبيان ما جبل عليه الإنسان من حرص على منافع الدنيا. وتحريض الناس على أن يتزودوا بالعمل الصالح الذي ينفعهم يوم الحساب. (٢)
تتضمن السورة تنديدا بجحود الإنسان واستغراقه في حب المال وتذكيرا بالآخرة وإحاطة اللّه بأعمال الناس. وأسلوبها عرض عام للدعوة كسابقتها. وقد روي «١» أنها مدنية والجمهور على أنها مكية وأسلوبها وتبكير نزولها مما يؤيد مكيتها. (٣)
سورة العاديات مكيّة، وهي إحدى عشرة آية.

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٦٥٣)
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٥ / ٤٨١)
(٣) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ٧)


الصفحة التالية
Icon