بفعل الخير. ولا يخفى ما في قوله تعالى هناك وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها [الزلزلة : ٢] وقوله سبحانه هنا إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ [العاديات : ٩] من المناسبة أو العلاقة على ما سمعت من أن المراد بالأثقال ما في جوفها من الأموات أو ما يعمهم والكنوز. (١)
* سورة العاديات مكية، وهي تتحدث عن خيل المجاهدين في سبيل الله، حين تغير على الأعداء، فيسمع لها عند عدوها بسرعة صوت شديد، وتقدح بحوافرها الحجارة فيتطأير منها النار، وتثير التراب والغبار
* وقد بدأت السورة الكريمة، بالقسم بخيل الغزاة - إظهارا لشرفها وفضلها عند الله - على أن الإنسان كفور لنعمة الله تعالى عليه، جحود لآلائه وفيوض نعمائه، وهو معلن لهذا الكفران والجحود، بلسان حاله ومقاله، كما تحدثت عن طبيعة الإنسان وحبه الشديد للمال
* وختمت السورة الكريمة ببيان أن مرجع الخلائق إلى الله للحساب والجزاء، ولا ينفع في الآخرة مال ولا جاه، وإنما ينفع الأيمان والعمل الصالح (٢)
مقصودها اإعلام بأن أكثر الخلق يوم الزلزلة هالك لإيثار الفاني من العز والمال على الباقي عند ذي الجلال، المدلول عليه بالقسم وه والعاديلت والمقسم عليه وما عطف عليه، وقد علم أن اسمها أدل شيء على ذلك لما هدى إليه القسم والمقسم عليه (٣)
يجري سياق هذه السورة في لمسات سريعة عنيفة مثيرة، ينتقل من إحداها إلى الأخرى قفزا وركضا ووثبا، في خفة وسرعة وانطلاق، حتى ينتهي إلى آخر فقرة فيها فيستقر عندها اللفظ والظل والموضوع والإيقاع! كما يصل الراكض إلى نهاية المطاف! وتبدأ بمشهد الخيل العادية الضابحة، القادحة للشرر بحوافرها، المغيرة مع الصباح، المثيرة للنقع وهو الغبار، الداخلة في وسط العدو فجأة تأخذه على غرة، وتثير في صفوفه الذعر والفرار! يليه مشهد في النفس من الكنود والجحود والأثرة والشح الشديد! ثم يعقبه مشهد لبعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور! وفي الختام ينتهي النقع المثار، وينتهي الكنود والشح، وتنتهي البعثرة والجمع.. إلى نهايتها جميعا. إلى اللّه. فتستقر هناك :«إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ»...
والإيقاع الموسيقي فيه خشونة ودمدمة وفرقعة، تناسب الجو الصاخب المعفر الذي تنشئه القبور المبعثرة، والصدور المحصل ما فيها بشدة وقوة، كما تناسب جو الجحود والكنود، والأثرة والشح الشديد.. فلما أراد لهذا كله إطارا مناسبا، اختاره من الجو الصاخب المعفر كذلك، تثيره الخيل العادية في جريها،

(١) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ٤٤١)
(٢) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥١٥)
(٣) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٥٠٨)


الصفحة التالية
Icon