* كما تحدثت عن نسف الجبال وتطايرها، حتى تصبح كالصوف المنبث المتطاير في الهواء، بعد أن كانت صلبة راسخة فوق الأرض، وقد قرنت بين الناس والجبال، تنبيها على تأثير تلك القارعة في الجبال، حتى صارت كالصوف المندوف، فكيف يكون حال البشر في ذلك اليوم العصيب ؟
*وختمت السورة الكريمة بذكر الموازين التي توزن بها أعمال الناس، وإنقسام الخلق إلى سعداء وأشقياء، حسب ثقل الموازين وخفتها، وسميت السورة الكريمة بالقارعة، لأنها تقرع القلوب والأسماع بهولها وشدائدها (١)
مقصودها إيضاح يوم الدين بتصوير ثواني أحواله في مبدئه ومآله، وتقسيم الناس فيه إلى ناج وهالك، واسمها القارعة واضح في ذلك (٢)
القارعة : القيامة. كالطامة، والصاخة، والحاقة، والغاشية. والقارعة توحي بالقرع واللطم، فهي تقرع القلوب بهولها.
والسورة كلها عن هذه القارعة. حقيقتها. وما يقع فيها. وما تنتهي إليه.. فهي تعرض مشهدا من مشاهد القيامة.
والمشهد المعروض هنا مشهد هول تتناول آثاره الناس والجبال. فيبدو الناس في ظله صغارا ضئالا على كثرتهم : فهم «كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ» مستطارون مستخفون في حيرة الفراش الذي يتهافت على الهلاك، وهو لا يملك لنفسه وجهة، ولا يعرف له هدفا!
وتبدو الجبال التي كانت ثابتة راسخة كالصوف المنفوش تتقاذفه الرياح وتعبث به حتى الأنسام! فمن تناسق التصوير أن تسمى القيامة بالقارعة، فيتسق الظل الذي يلقيه اللفظ، والجرس الذي تشترك فيه حروفه كلها، مع آثار القارعة في الناس والجبال سواء! وتلقي إيحاءها للقلب والمشاعر، تمهيدا لما ينتهي إليه المشهد من حساب وجزاء! (٣)
================

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥١٧)
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٥١٣)
(٣) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٦٠)


الصفحة التالية
Icon