* وختمت السورة الكريمة ببيان المخاطر والأهوال التي سيلقونها في الآخرة، والتي لا يجوزها ولا ينجو منها إلا المؤمن، الذي قدم صالح الأعمال. (١)
مقصودها التصريح بما أشارت إليه العاديات من أن سبب الهلاك يوم الجمع. الذي صورته القارعة. الجمع للمال، والإخلاد إلى دار الزوال، واسمها واضح الدلالة على ذلك (٢)
هذه السورة ذات إيقاع جليل رهيب عميق وكأنما هي صوت نذير، قائم على شرف عال. يمد بصوته ويدوي بنبرته. يصيح بنوّم غافلين مخمورين سادرين، أشرفوا على الهاوية وعيونهم مغمضة، وحسهم مسحور. فهو يمد بصوته إلى أعلى وأبعد ما يبلغ :«أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ»..
أيها السادرون المخمورون. أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة وأنتم مفارقون. أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه. أيها التاركون ما تتكاثرون فيه وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر.. استيقظوا وانظروا.. فقد «أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ»....
وتنتهي ومضة الحياة الدنيا وتنطوي صفحتها الصغيرة.. ثم يمتد الزمن بعد ذلك وتمتد الأثقال ويقوم الأداء التعبيري ذاته بهذا الإيحاء. فتتسق الحقيقة مع النسق التعبيري الفريد..
وما يقرأ الإنسان هذه السورة الجليلة الرهيبة العميقة، بإيقاعاتها الصاعدة الذاهبة في الفضاء إلى بعيد في مطلعها، الرصينة الذاهبة إلى القرار العميق في نهايتها.. حتى يشعر بثقل ما على عاتقه من أعقاب هذه الحياة الوامضة التي يحياها على الأرض، ثم يحمل ما يحمل منها ويمضي به مثقلا في الطريق!
ثم ينشئ يحاسب نفسه على الصغير والزهيد!!! (٣)
================
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٥١٦)
(٣) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٩٦٢)