٦ - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا ٧ - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا.
وبجانب هذه النداءات التي اشتملت على أسمى ألوان التربية الفاضلة، والتوجيه القويم.. نرى السورة الكريمة تسوق للمؤمنين في آيات كثيرة منها ما يهدى بهم إلى الخير والرشاد ويبعدهم عن الشر والفساد. فهي تحكى لهم ألوانا من الدعوات التي يتضرع بها الأخيار من الناس لكي يتأسوا بهم. وتبين لهم أن حب الشهوات طبيعة في الناس إلا أن العقلاء منهم يجعلون حبهم لما يرضى اللّه فوق أى شيء آخر. وتحرضهم على الاعتصام بحبل اللّه وتحثهم على المسارعة إلى الأعمال الصالحة التي توصلهم إلى رضا اللّه.
إلى غير ذلك من التوجيهات الحكيمة التي زخرت بها سورة آل عمران والتي من شأنها أن تزيد المؤمنين إيمانا مع إيمانهم، وأن تهديهم إلى الصراط المستقيم.
رابعا : أن السورة الكريمة عرضت أحداث غزوة أحد عرضا حكيما زاخرا بالعظات والعبر وفصلت الحديث عنها تفصيلا لا يوجد في غيرها من السور، وساقت ما دار فيها بأسلوب بليغ مؤثر يخاطب العقول والعواطف، ويكشف عن خفايا القلوب ونوازعها، وطوايا النفوس وخواطرها، ويعالج الأخطاء التي وقع فيها بعض المسلمين حتى لا يعودوا لمثلها ويشجعهم على المضي في طريق الجهاد حتى لا يؤثر في عزيمتهم ما حدث لهم في أحد، ويبشرهم بأن اللّه - تعالى - قد عفا عمن فر منهم، ويذكرهم بمظاهر فضل اللّه عليهم خلال المعركة وبعدها، ويبصرهم بسنن اللّه التي لا تتخلف، وبقوانينه التي لا تتبدل، وبتعاليمه التي من سار عليها أفلح وانتصر، ومن أعرض عنها خاب وخسر فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا. (١)
في هذه السورة ثلاثة فصول طويلة : الأول في صدد مناظرة بين النبي - ﷺ - وأهل الكتاب. والثاني في صدد مواقف اليهود ومكائدهم. والثالث في صدد وقعة حربية بين النبي والمسلمين والمشركين. وقد تخلل كل فصل ما يناسب موضوعه من محاجّات وتنديدات وتنويهات ومواعظ ومعالجات وتلقينات ومبادئ جليلة.
وجمهور المفسرين وكتّاب السيرة متفقون على أن المناظرة التي جاء الفصل الأول في صددها كانت مع وفد نصارى نجران. ولكنهم لا يذكرون متى قدم هذا الوفد إلى المدينة. وفي سياق لابن سعد في الجزء الثاني من طبقاته وللإمام أبي يوسف في كتابه الخراج نصّ عهد نبوي لهم من شهوده أبو سفيان بن حرب. وهذا قد يعني إن صحّ أن العهد كتب بعد فتح مكة بما لا يقل عن سنة. ويؤيد هذا أن النبي - ﷺ - في كتاب العهد الذي كتبه لهم أمّنهم على أنفسهم وملّتهم وأرضهم وأموالهم وبيعهم وأن لا يغير أسقف