لما بيّن في السورة المتقدمة أن الاشتغال بأمور الدنيا والتهالك عليها مذموم، أراد أن يبين في هذه السورة ما يجب الاشتغال به من الإيمان والأعمال الصالحات، وهو ما يعود إلى النفس، ومن التواصي بالخيرات وكفّ النفس عن المناهي أو المعاصي، وهو ما يعود إلى المجتمع. والخلاصة : بعد أن قال : أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ وهدد بتكرار : كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ بيّن حال المؤمن والكافر.
ما اشتملت عليه السورة :
هذه السورة المكية الموجزة توضح أصول الإسلام الكبرى، ودستور الحياة الإنسانية.
فقد أقسم اللَّه تعالى بالعصر الذي هو الدهر أو الزمان المشتمل على العجائب والدال على قدرة اللَّه وحكمته البالغة على خسارة الإنسان إلا من اتصف بالأوصاف الأربعة، وهي : الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي مع الآخرين بالحق، والتواصي بالصبر والمصابرة. (١)
مكية. وآياتها ثلاث آيات. وفيها القسم على أن الإنسان لفي خسر وضلال إلا من عصمه اللّه من المؤمنين العاملين الذين تواصوا بالحق والصبر. (٢)
مكية في قول ابن عباس وابن الزبير والجمهور، ومدنية في قول مجاهد وقتادة ومقاتل. وآيها ثلاث بلا خلاف وهي على قصرها جمعت من العلوم ما جمعت فقد روي عن الشافعي عليه الرحمة أنه قال : لو لم ينزل غير هذه السورة لكفت الناس لأنها شملت جميع علوم القرآن. وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن أبي حذيفة وكانت له صحبة، قال : كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه - ﷺ - إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة والعصر ثم يسلم أحدهما على الآخر. وفيها إشارة إلى حال من لم يلهه التكاثر ولذا وضعت بعد سورته. (٣)
* سورة العصر مكية، وقد جاءت في غاية الإيجاز والبيان، لتوضيح سبب سعادة الإنسان أو شقاوته، ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره.
* أقسم تعالى بالعصر وهو الزمان الذي ينتهى فيه عمر الإنسان، وما فيه من أصناف العجائب، والعبر الدالة على قدرة الهت وحكمته، على أن جنس الإنسان في خسارة ونقصان، إلا من اتصف بالأوصاف الأربعة وهى (الإيمان ) و(العمل الصالح ) و(التواصي بالحق ) و(الإعتصام بالصبر) وهي أسس الفضيلة،
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٩٠٠)
(٣) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ٤٥٧)