أصحاب دعوى الإسلام بتعبير أدق - هم أبعد أهل الأرض عن هذا الخير، وأشدهم إعراضا عن المنهج الإلهي الذي اختاره اللّه لهم، وعن الدستور الذي شرعه لأمتهم، وعن الطريق الوحيد الذي رسمه للنجاة من الخسران والضياع. والبقاع التي انبعث منها هذا الخير أول مرة تترك الراية التي رفعها لها اللّه، راية الإيمان، لتتعلق برايات عنصرية لم تنل تحتها خيرا قط في تاريخها كله. لم يكن لها تحتها ذكر في الأرض ولا في السماء. حتى جاء الإسلام فرفع لها هذه الراية المنتسبة للّه، لا شريك له، المسماة باسم اللّه لا شريك له، الموسومة بميسم اللّه لا شريك له.. الراية التي انتصر العرب تحتها وسادوا وقادوا البشرية قيادة خيرة قوية واعية ناجية لأول مرة في تاريخهم وفي تاريخ البشرية الطويل..
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه القيم :«ما ذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟».. عن هذه القيادة الخيرة الفذة في التاريخ كله، وتحت عنوان «عهد القيادة الإسلامية» :«الأئمة المسلمون وخصائصهم» :
«ظهر المسلمون، وتزعموا العالم، وعزلوا الأمم المزيفة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها، وساروا بالإنسانية سيرا حثيثا متزنا عادلا، وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم، وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلهم وتحت قيادتهم.
«أولا : أنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية، فلا يقننون ولا يشترعون من عند أنفسهم. لأن ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم، ولا يخبطون في سلوكهم وسياستهم ومعاملتهم للناس خبط عشواء، وقد جعل اللّه لهم نورا يمشون به في الناس، وجعل لهم شريعة يحكمون بها الناس «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها؟» وقد قال اللّه تعالى :«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا. اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ».
ثانيا :- أنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكية نفس، بخلاف غالب الأمم والأفراد ورجال الحكومة في الماضي والحاضر، بل مكثوا زمنا طويلا تحت تربية محمد - ﷺ - وإشرافه الدقيق، يزكيهم ويؤدبهم، ويأخذهم بالزهد والورع والعفاف والأمانة والإيثار وخشية اللّه، وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها. يقول :«إنا واللّه لا نولي هذا العمل أحدا سأله، أو أحدا حرص عليه ».
ولا يزال يقرع سمعهم :«تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»..
فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب، فضلا عن أن يرشحوا أنفسهم للإمارة، ويزكوا أنفسهم، وينشروا دعاية لها، وينفقوا الأموال سعيا وراءها. فإذا تولوا شيئا من أمور الناس لم يعدوه مغنما أو طعمة