وكان ذلك الحدث التاريخي المهم في عام ميلاد النّبي - ﷺ -، سنة ٥٧٠ م، أي كان بين عام الفيل ومبعث النّبي - ﷺ - أربعون سنة. وكان قد بقي بمكة جمع شاهدوا تلك الواقعة، وقد بلغت حدّ التواتر حينئذ، فما ذاك إلا إرهاص للرسول - ﷺ -.
وقال ابن كثير : هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وَرَدهم بشر خيبة. وكانوا قوما نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان. ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله - ﷺ -، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم -يا معشر قريش-على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد، صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء. (١)
وقال السيد رحمه الله :
" تشير هذه السورة إلى حادث مستفيض الشهرة في حياة الجزيرة العربية قبل البعثة، عظيم الدلالة على رعاية اللّه لهذه البقعة المقدسة التي اختارها اللّه لتكون ملتقى النور الأخير، ومحضن العقيدة الجديدة، والنقطة التي تبدأ منها زحفها المقدس لمطاردة الجاهلية في أرجاء الأرض، وإقرار الهدى والحق والخير فيها.........
فهي حادثة ثابتة أنه قد حبس الفيل عن مكة في يوم الفيل.. ثم كان ما أراده اللّه من إهلاك الجيش وقائده، فأرسل عليهم جماعات من الطير تحصبهم بحجارة من طين وحجر، فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة. كما يحكي عنهم القرآن الكريم.. وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، حتى قدموا به صنعاء، فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات..
وتختلف الروايات هنا في تحديد نوع هذه الجماعات من الطير، وأشكالها، وأحجامها، وأحجام هذه الحجارة ونوعها وكيفية فعلها. كما أن بعضها يروي أن الجدري والحصبة ظهرا في هذا العام في مكة.
ويرى الذين يميلون إلى تضييق نطاق الخوارق والغيبيات، وإلى رؤية السنن الكونية المألوفة تعمل عملها، أن تفسير الحادث بوقوع وباء الجدري والحصبة أقرب وأولى. وأن الطير قد تكون هي الذباب والبعوض التي تحمل الميكروبات، فالطير هو كل ما يطير.
قال الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في تفسيره للسورة في جزء عم :

(١) - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (٨ / ٤٨٣)


الصفحة التالية
Icon