أما علماء الحجاز والبصريون فيرون أن ما ذكره الكوفيون والشاميون إنما هو جزء من آية وليس آية كاملة.
٢ - وسورة النساء من السور المدنية. وكان نزولها بعد سورة الممتحنة ويؤيد أنها مدنية ما رواه البخاري عن عائشة - رضى اللّه عنها - قالت :« ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عند رسول اللّه - ﷺ - ».
ومن المتفق عليه عند العلماء أن دخوله - ﷺ - على عائشة كان بعد الهجرة. وروى العوفى عن ابن عباس أنه قال : نزلت سورة النساء بالمدينة. وكذا روى ابن مردويه عن عبد اللّه بن الزبير وزيد بن ثابت.
قال الآلوسى :« وزعم بعض الناس أنها مكية. مستندا إلى أن قوله - تعالى - : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها... نزلت بمكة في شأن مفتاح الكعبة. وتعقبه السيوطي بأن ذلك مستند واه، لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات بمكة، من سورة طويلة، نزل معظمها بالمدينة، أن تكون مكية. خصوصا أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة فهو مدني. ومن راجع أسباب نزولها عرف الرد عليه ».
والحق، أن الذي يقرأ سورة النساء من أولها إلى آخرها بتدبر وإمعان، يرى في أسلوبها وموضوعاتها سمات القرآن المدني. فهي زاخرة بالحديث عن الأحكام الشرعية : من عبادات ومعاملات وحدود. وعن علاقة المسلمين ببعضهم وبغيرهم. وعن أحوال أهل الكتاب والمنافقين، وعن الجهاد في سبيل اللّه. إلى غير ذلك من الموضوعات التي يكثر ورودها في القرآن المدني.
ومن هنا قال القرطبي :« ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية لا شك فيها » « ١ ».
٣ - سورة النساء سميت بهذا الاسم لأن ما نزل منها في أحكام النساء أكثر مما نزل في غيرها.
وكثيرا ما يطلق عليها اسم « سورة النساء الكبرى » تمييزا لها عن سورة أخرى عرضت لبعض شئون النساء وهي « سورة الطلاق » التي كثيرا ما يطلق عليها اسم « سورة النساء الصغرى ».
٤ - ومن وجوه المناسبة بين هذه السورة وبين سورة آل عمران التي قبلها : أن سورة آل عمران اختتمت بالأمر بالتقوى في قوله - تعالى - : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وسورة النساء افتتحت بالأمر بالتقوى. قال - تعالى - :
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ.
قال الآلوسى :« وذلك من آكد وجوه المناسبات في ترتيب السور. وهو نوع من أنواع البديع يسمى في الشعر : تشابه الأطراف. وقوم يسمونه بالتسبيغ. وذلك كقول ليلى الأخيلية :
إذا نزل الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة رواها
رواها فأرواها بشرب سجالها دماء رجال حيث نال حشاها


الصفحة التالية
Icon