اللّه بن أبي المنافق. وآيها سبع في العراقي وست في الباقية. ولما ذكر سبحانه في سورة قريش أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ [قريش : ٤] ذم عز وجل هنا من لم يحض على طعام المسكين ولما قال تعالى هناك لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ [قريش : ٣] ذم سبحانه هنا من سها عن صلاته أو لما عدد نعمة تعالى على قريش وكانوا لا يؤمنون بالبعث والجزاء أتبع سبحانه امتنانه عليهم بتهديدهم بالجزاء وتخويفهم من عذابه (١)
* هذه السورة مكية، وقد تحدثت بأيجاز عن فريقين من البشر هما :
أ - الكافر الجاحد لنعم الله، المكذب بيوم الحساب والجزاء.
ب - المنافق الذي لا يقصد بعمله وجه الهل، بل يرائي في أعماله وصلاته.
* أما الفريق الأول : فقد ذكر تعالى من صفاتهم الذميمة، أنهم يهينون اليتيم ويزجرونه، غلظة لا تأديبا، ولا يفعلون الخير، حتى ولو بالتذكير بحق المسكين والفقير، فلا هم أحسنوا في عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه [ أرأيت الذي يكذب بالدين ؟ فذلك الذي يدع اليتيم. ولا يحض على طعام المسكين.. ] الأيات.
* وأما الفريق الثاني : فهم المنافقون، الغافلون عن صلاتهم، الذين لا يؤدونها في أوقاتها، والذين يقومون بها " صورة " لا (معنى) المراءون بأعمالهم، وقد توعدت الفريقين بالويل والهلإلي، وشنعت عليهم أعظم تشنيع، بأسلوب الاستغراب والتعجيب من ذلك الصنيع ! !. (فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) (٢)
مقصودها التنبيه على أن التكذيب بالبعث لأجل الجزاء أبو الخبائث، فإنه يجزئ المكذب على مساوئ الأخلاق ومنكرات الأ " مال حتى تكون الاستهانة بالعظام خلقا له فيصير ممن ليس له خلاق، وكل من اسمائها الأربعة في غاية الظهور في الدلالة على ذلك بتأمل السورة لتعرف هذه الأشياء المذكورة، فهي ناهية عن المنكرات بتصريحها، داعية إلى المعالي بإفهامها وتلويحها (٣)
هذه السورة مكية في بعض الروايات، ومكية مدنية في بعض الروايات (الثلاث الآيات الأولى مكية والباقيات مدنية) وهذه الأخيرة هي الأرجح. وإن كانت السورة كلها وحدة متماسكة، ذات اتجاه واحد، لتقرير حقيقة كلية من حقائق هذه العقيدة، مما يكاد يميل بنا إلى اعتبارها مدنية كلها، إذ أن الموضوع الذي تعالجه هو من موضوعات القرآن المدني - وهو في جملته يمت إلى النفاق والرياء مما لم يكن معروفا في الجماعة المسلمة في مكة.
(٢) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٢٧)
(٣) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٥٤١)