في السورة أمر للنبي - ﷺ - بإعلان الكفار أنه لا يعبد ما يعبدون، ولهم إذا شاءوا أن يظلوا على ما هم عليه فلا يعبدون ما يعبد، ولكل من الفريقين دينه، وقد تضمنت مبدأ حرية التدين الذي ظلت الآيات القرآنية تقرره في المكي منها والمدني.
ولقد روى الترمذي عن أنس عن النبي - ﷺ - قال :«من قرأ إذا زلزلت عدلت له بنصف القرآن ومن قرأ قل يا أيّها الكافرون عدلت له بربع القرآن ومن قرأ قل هو اللّه أحد عدلت له بثلث القرآن» «١». وروى الترمذي عن أنس أيضا :«أن النبي - ﷺ - قال لرجل من أصحابه هل تزوّجت يا فلان قال لا واللّه يا رسول اللّه ولا عندي ما أتزوّج به، قال : أليس معك قل هو اللّه أحد، قال : بلى، قال : ثلث القرآن، قال : أليس معك إذا جاء نصر اللّه والفتح، قال : بلى، قال : ربع القرآن، قال : أليس معك قل يا أيّها الكافرون، قال : بلى، قال : ربع القرآن. قال : أليس معك إذا زلزلت، قال : بلى، قال : ربع القرآن، تزوّج تزوّج» «٢».
ومن الحكمة الملموحة في الحديثين التنويه والترغيب والتيسير، واللّه تعالى أعلم. (١)
سورة الكافرون مكيّة، وهي ست آيات.
تسميتها : سميت سورة الكافرون لأن اللَّه تعالى أمر نبيه محمدا - ﷺ - بأن يخاطب الكافرين بأنه لا يعبد ما يعبدون من الأصنام والأوثان : قُلْ : يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وتسمى أيضا سورة المنابذة، وسورة الإخلاص، والمقشقشة.
مناسبتها لما قبلها :
أمر اللَّه نبيه في السورة السابقة بإخلاص العبادة للَّه وحده لا شريك له، وفي هذه السورة سورة التوحيد والبراءة من الشرك تصريح باستقلال عبادته عن عبادة الكفار، فهو لا يعبد إلا ربه، ولا يعبد ما يعبدون من الأوثان والأصنام، وبالغ في ذلك فكرّره وأكّده، وانتهى إلى أن له دينه، ولهم دينهم.
ما اشتملت عليه السورة :
هذه السورة المكية - سورة البراءة من عمل المشركين والإخلاص في العمل للَّه تعالى، وضعت الحد الفاصل النهائي بين الإيمان والكفر، وبين أهل الإيمان وعبدة الأوثان، فحينما طلب المشركون المهادنة من رسول اللَّه - ﷺ -، وأن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة، نزلت السورة تقطع أطماع الكفار الرخيصة، وتفصل النزاع بين فريقي المؤمنين والكافرين إلى الأبد. (٢)

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ٢٥)
(٢) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٤٣٧) و تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٢٥٤)


الصفحة التالية
Icon