إذ التخصيص له جزآن النفي عن الغير والإثبات للمخصص به، فصارت المقاصد بهذا الاعتبار أربعة. وهذه السورة تشتمل على ترك عبادة غيره سبحانه والتبري منها فصارت بهذا الاعتبار ربع القرآن ولكونها ليس فيها التصريح بالأمر بعبادة اللّه عز وجل كما أن فيها التصريح بترك عبادة غيره تعالى لم تكن كنصف القرآن وقيل : إن مقاصد القرآن صفاته تعالى والنبوات والأحكام والمواعظ وهي مشتملة على أساس الأول وهو التوحيد ولذا عدلت ربعه، وذكر بعض أجلّة أحبابي المعاصرين أوجها في ذلك أحسنها فيما أرى أن الدين الذي تضمنه القرآن أربعة أنواع :
عبادات ومعاملات وجنايات ومناكحات، والسورة متضمنة للنوع الأول فكانت ربعا. وتعقب بأنه أراد فكانت ربعا من القرآن فلا نسلم صحة تفريعه على كون الدين الذي تضمنه القرآن أربعة أنواع وإن أراد فكانت ربعا من الدين فليس الكلام فيه إنما الكلام في كونها تعدل ربعا من القرآن إذ هو الذي تشعر به الأخبار على اختلاف ألفاظها والتلازم بينهما غير مسلم على أن المقابلة الحقيقية بين ما ذكر من الأنواع غير تامة. وأجيب باحتمال أنه أراد أن مقاصد القرآن هي تلك الأربعة التي هي الدين ولا يبعد أن يكون ما تضمن واحدا منها عدل القرآن كله مقاصده وغيرها. ولا يرد على الحصر أن من مقاصده أحوال المبدأ والمعاد فبدخول ذلك في العبادات بنوع عناية وعدم التقابل الحقيقي لا يضر إذ يكفي في الغرض عدّ أهل العرف تلك الأمور متقابلة ولو بالاعتبار فتأمل جميع ذلك واللّه تعالى الهادي لأقوم المسالك. (١)
سورة الكافرون مكية، وهي سورة (التوحيد) و(البراءة من الشرك ) والضلال، فقد دعا المشركون رسول الله ( - ﷺ - )، إلى المهادنة، وطلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة، فنزلت السورة تقطع أطماع الكافرين، وتفصل النزاع بين الفريقين : أهل الإيمان، وعبدة الأوثان، وترد على الكافرين تلك الفكرة السخيفة في الحال والاستقبال. (٢)
مقصودها إثبات مقصود الكوثر بالدليل الشهودي على منزلها كامل العلم شامل القدرة لأنه المنفرد بالوحدانية، فلذلك لا يقاوي من كان معه، ولذلك لما نزلت قرأها ( - ﷺ - ) عليهم في المسجد أجمع ما كانوا، وهذا المراد بكل من أسمائها. أما الكافرون فمن وجهين، ناظر إلى إثبات، وناظر إلى نفي، أما المثبت فمن حيث أنه إشارة إلى تأمل جميع السورة من إطلاق البعض على الكل، وأما النافي فمن جهة أنهم إنما كفروا بإنكار ما هو مقصودها إما صريحا كالوحدانية وتمام القدرة، وإما لزوما وهو العم فإنه يلزم من نقص القدرة نقصه، وأما الإخلاص فلأن من اعتقد ذلك كان مؤمنا مخلصا برئيا من كل شرك

(١) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٥ / ٤٨٤)
(٢) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٣١)


الصفحة التالية
Icon