رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِى تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِىَّ ». قَالُوا نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا. قَالَ « فَإِنِّى نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) (١)
فتعين أن آية سورة الشعراء تشبه صدر الآية التي نزلت قبل نزول سورة أبي لهب.
أغراضها
زجر أبي لهب على قوله تبت لك ألهذا جمعتنا؟ ووعيده على ذلك، ووعيد امرأته على انتصارها لزوجها، وبغضها النبي - ﷺ -. (٢)
مناسبتها لما قبلها
كانت سورة « النصر » ـ كما قلنا ـ مددا من أمداد السماء، تحمل بين يديها هذه البشريات المسعدة للنبىّ وللمؤمنين، وتريهم رأى العين عزّة الإسلام، وغلبته، وتخلع عليهم حلل النصر، وتعقد على جبينهم إكليل الفوز والظفر. وتحت سنابك خيل الإسلام المعقود بنواصيها النصر، والتي هى على وعد من اللّه به ـ حطام هذا الطاغية العنيد الذي يمثّل ضلال المشركين كلّهم، ويجمع فى كيانه وحده، سفههم، وعنادهم، وما كادوا به للنبىّ والمؤمنين.. إنه أبو لهب.. وامرأته حمالة الحطب.. (٣)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة « المسد » تسمى - أيضا - بسورة « تبت »، وبسورة « أبى لهب »، وبسورة « اللهب » وهي من أوائل السور التي نزلت بمكة، فهي السورة السادسة في ترتيب النزول، وكان نزولها بعد سورة « الفاتحة »، وقبل سورة « الكوثر » وهي خمس آيات.
٢ - وقد ذكروا في سبب نزول هذه السورة روايات منها : ما أخرجه البخاري عن ابن عباس، أن النبي - ﷺ - خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى :« يا صباحاه » وهي كلمة ينادى بها للإنذار من عدو قادم - فاجتمعت إليه قريش، فقال - :« أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني؟ قالوا : نعم. قال :« فإنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد ».
فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا؟ تبا لك، فأنزل اللّه - تعالى - هذه السورة.
(٢) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (٣٠ / ٥٢٥)
(٣) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٧٠٢)