مقصودها البت والقطع الحتم بخسران الكافر ولو كان أقرب الخلق إلى أعظم الفائزين، اللازم عنه أن شارع الدين له من العظمة ما يقصر عنه الوصف، فهو يفعل ما يشاء لأنه لا كفو - له أصلا، حثا على التوحيد من سائر العبيد ولذلك بين سورة الإخلاص المقرون بضمان النصر وكثرة الأنصار، واسمها تبت واضح الدلالة على ذلك بتأمل السورة على هذه الصورة (١)
أبو لهب - (و اسمه عبد العزى بن عبد المطلب) هو عم النبي - ﷺ - وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه، وكان هو وامرأته «أم جميل» من أشد الناس إيذاء لرسول اللّه - ﷺ - وللدعوة التي جاء بها..
قال ابن إسحاق :«حدثني حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول :«إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول اللّه - ﷺ - يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول، وضيء الوجه ذو جمة، يقف رسول اللّه - ﷺ - على القبيلة فيقول « : يا بني فلان. إني رسول اللّه إليكم آمركم أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن اللّه ما بعثني به» وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان. هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه. فقلت لأبي : من هذا؟ قال عمه أبو لهب. (و رواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ).
فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول - ﷺ -، وكانت زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة. (و هي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان).
ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول اللّه - ﷺ - منذ اليوم الأول للدعوة. أخرج البخاري - بإسناده - عن ابن عباس، أن النبي - ﷺ - خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى :« يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش، فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم؟ أكنتم مصدقي؟
قالوا : نعم. قال :«فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب. ألهذا جمعتنا؟ تبا لك. فأنزل اللّه «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ...» إلخ. وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟! فأنزل اللّه السورة.
ولما أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي - ﷺ - ولو لم يكونوا على دينه، تلبية لدافع العصبية القبلية، خرج أبو لهب على إخوته، وحالف عليهم قريشا، وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمدا - ﷺ -.