روى الترمذي كما تقدم عن عقبة بن عامر عن النّبي - ﷺ - قال :«لقد أنزل اللَّه علي آيات لم ير مثلهن : قُلْ : أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إلى آخر السورة، وقُلْ : أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ إلى آخر السورة. وقال : هذا حديث حسن صحيح، ورواه مسلم أيضا. (١)
* سورة الناس مكية، وهي ثاني المعوذتين، وفيها الإستجارة والإحتماء برب العالمين، من شر أعدى الأعداء، إبليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن، الذين يغوون الناس بأنواع الوسوسة والإغواء.
* وقد ختم الكتاب العزيز بالمعوذتين وبدىء بالفاتحة، ليجمع بين حسن البدء، وحسن الختم، وذلك غاية الحسن والجمال، لأن العبد يستعين بالله ويلتجىء إليه، من بداية الأمر إلى نهايته. (٢)
مقصودها الاعتصام بالإله الحق من شر الخلق الباطن، واسمها دال على ذلك لأن الإنسان مطبوع على الشر، وأكثر شره بالمكر والخداع، وأحسن من هذا أنها للاستعاذة من الشر الباطن المأنوس به المستروح إليه، فإن الوسسة لا تكون إلا بما يشتهي، والناس مشتق من الأنس، فإن أصله أناس، وهو أيضا اضطراب الباطن المشير إليه الاشتقاق من النوس، فطابق حينئذ الاسم المسمى، ومقصود هذه السورة معلول لمقصود الفقاتحة الذي هو المراقبة، وهي شاملة لجميع علوم القرآن التي هي مصادقة الله ومعاداة الشيطان ببراعة الختام وفذلكة النظام، كما أن الفاتحة شاملة لذلك لأنها براعة الاستهلال، ورعاية الجلال والجمال، فقد اتصل الآخر بالأول اتصال العلة بالمعلول، والدليل بالمدلول، والمثل بالممثول، والله المسؤول في تيسير السؤل، ت وتحقيق المأمول، فإنه الجواد ذو الطول، وبه يستعان وعليه التكلان (٣)
الاستعاذة في هذه السورة برب الناس، ملك الناس، إله الناس. والمستعاذ منه هو : شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس.
والاستعاذة بالرب، الملك، الإله، تستحضر من صفات اللّه - سبحانه - ما به يدفع الشر عامة، وشر الوسواس الخناس خاصة. فالرب هو المربي والموجه والراعي والحامي. والملك هو المالك الحاكم المتصرف. والإله هو المستعلي المستولي المتسلط.. وهذه الصفات فيها حماية من الشر الذي يتدسس إلى الصدور.. وهي لا تعرف كيف تدفعه لأنه مستور.
واللّه رب كل شي ء، وملك كل شي ء، وإله كل شيء. ولكن تخصيص ذكر الناس هنا يجعلهم يحسون بالقربى في موقف العياذ والاحتماء.
(٢) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٣٩)
(٣) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٦١١)