يزيد أن رسول اللّه - ﷺ - قال :«إن اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين : وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، والتي في آل عمران : اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ».. (١)
المقاصد التي سيقت لها هذه السورة إثبات الوحدانية لله سبحانه وتعالى، والإخبار بأن رئاسة الدنيا بالأموال والأولاد وغيرهما مما آثره الكفار على الإسلام غير مغنية عنهم شيئاً في الدنيا ولا في الآخرة، وأن ما أعد للمتقين من الجنة والرضوان هو الذي ينبغي الأقبال عليه والمسارعة اليه وفي وصف المتقين بالإيمان والدعاء والصبر والصدق والقنوت والإنفاق والاستغفار ما يتعطف عليه كثير من أفانين أساليب هذه السورة ـ هذا ما كان ظهر لي أولاً، وأحسن منه أن نخص القصد الأول وهو التوحيد بالقصد فيها فإن الأمرين الآخرين يرجعان إليه، وذلك لأن الوصف بالقيومية يقتضي القيام بالاستقامة، فالقيام يكون على كل نفس، والاستقامه العدل كما قال :﴿قائماً بالقسط﴾ [آل عمران : ١٨] أي بعقاب العاصي وثواب الطائع بما يقتضي للموقف ترك العصيان ولزوم الطاعة ؛ وهذا الوجه أوفق الترتيب، لأن الفاتحة لما كانت جامعة للدين إجمالاً جاء به التفصيل محاذياً لذلك، فابتدىء بسورة الكتاب المحيط بأمْر الدين، ثم بسورة التوحيد الذي هو سر حرف الحمد وأول حروف الفاتحة، لأن التوحيد هو الأمر الذي لا يقوم بناء إلا عليه، ولما صح الطريق وثبت الأساس جاءت التي بعدها داعية إلىالاجتماع على ذلك ؛ وأيضاً فلما ثبت بالبقرة أمر الكتاب في أنه هدى وقامت به دعائم الإسلام الخمس جاءت هذه لإثبات الدعوة الجامعة في قوله سبحانه وتعالى :﴿يأيها الناس اعبدوا ربكم﴾ [ البقرة : ٢١] فأثبت الوحدانيه له بأبطال إلهيه غيره بإثبات أن عيسى عليه السلام الذي كان يحيي الموتى عبده فغيره بطريق الأولى، فلما ثبت أن الكل عبيده دعت سورة النساء إلى إقبالهم أليه واجتماعهم عليه ؛ ومما يدل على أن القصد بها هو التوحيد تسميتها بآل عمران، فإن لم يعرب عنه في هذه السورة ما أعرب عنه ما ساقه سبحانه وتعالى فيها من لإخبارهم بما فيها من الأدلة على القدرة التامة الموجبة للتوحيد الذي ليس في درج الإيمان أعلى منه، فهو التاج الذي هو خاصة الملك المحسوسة، كما أن التوحيد خاصته المعقولة، والتوحيد موجب لزهرة المتحلي به فلذلك سميت الزهراء. (٢)
هذا القرآن هو كتاب هذه الدعوة. هو روحها وباعثها. وهو قوامها وكيانها. وهو حارسها وراعيها.
وهو بيانها وترجمانها. وهو دستورها ومنهجها. وهو في النهاية المرجع الذي تستمد منه الدعوة - كما يستمد منه الدعاة - وسائل العمل، ومناهج الحركة، وزاد الطريق..
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٢ / ٣)