الله عنها أن تريه مصحفها، فقالت : لم ؟ قال لعلي : أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت : وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل احلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا : لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا : لا تدع الزنى أبدا، لقد نزل بمكة على محمد وإني لجارية ألعب ) بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) [ القمر : ٤٦ ] وما نزلت سورة البقرة والنساء إلأا وأنا عنده، قال : فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السورة انتهي. وقد عنت بهذا رضي الله عنعا أن القرآن حاز أعلى البلاغة في إنزاله مطابقا لما تقتضيه الأحوال بحسب الأزمان، ثم رتب على أعلى وجوه البلاغة بحسب ما تقتضيه المفاهيم من المقال، كما تشاهده من هذا الكتاب البديع البعيد المنال (١)
هذه السورة مدنية، وهي أطول سور القرآن - بعد سورة البقرة - وترتيبها في النزول بعد سورة الممتحنة، التي تقول الروايات : إن بعضها نزل في غزوة الفتح في السنة الثامنة للهجرة، وبعضها نزل في غزوة الحديبية قبلها في السنة السادسة.
ولكن الأمر في ترتيب السور حسب النزول - كما بينا في مطالع الكلام على سورة البقرة في الجزء الأول - ليس قطعيا. كما أن السورة لم تكن تنزل كلها دفعة واحدة في زمن واحد. فقد كانت الآيات تتنزل من سور متعددة ثم يأمر النبي - ﷺ -، بوضع كل منها في موضعه من سورة بذاتها، والسورة الواحدة - على هذا - كانت تظل «مفتوحة» فترة من الزمان تطول أو تقصر. وقد تمتد عدة سنوات. وفي سورة البقرة كانت هناك آيات من أوائل ما نزل في المدينة، وآيات من أواخر ما نزل من القرآن.
وكذلك الشأن في هذه السورة. فمنها ما نزل بعد سورة الممتحنة في السنة السادسة وفي السنة الثامنة كذلك.
ولكن منها الكثير نزل في أوائل العهد بالهجرة. والمنتظر - على كل حال - أن يكون نزول آيات هذه السورة قد امتد من بعد غزوة أحد في السنة الثالثة الهجرية، إلى ما بعد السنة الثامنة، حين نزلت مقدمة سورة الممتحنة.
ونذكر على سبيل المثال الآية الواردة في هذه السورة عن حكم الزانيات :«وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا».. فمن المقطوع به أن هذه الآية نزلت قبل آية سورة النور التي بينت حد الزنا :«الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُمْ