الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ، وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ، وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ، وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً».. (١٥٣ - ١٦١).
ومن هذه المقتطفات تتبين بعض أفاعيل اليهود، التي يتصدى لها القرآن بالكشف والتنديد وبالتكذيب والتفنيد.. وهذه الحملة، وتسمية اليهود فيها بالكافرين، ووصفهم بأنهم «أعداء»، تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من هذه الأفاعيل، وبضرورة التعرض لها بالتفنيد والتكذيب، وكشف ما ورائها من أهداف خبيثة، وبواعث خبيثة، من هذه الجبلة الخبيثة التي لم تستسلم أبدا للهدى في تاريخها الطويل، ولم تستقم على الهدى إلا ريثما تنحرف وتقتل أنبياءها بغير الحق. والتي كان يدفعها الحقد والحسد للنبي - ﷺ - أن آتاه اللّه الرسالة - وهو من غيرهم - وللمسلمين أن جمعهم اللّه على الهدى فتكيد لهم هذا الكيد الذي لم ينقطع منذ أن اقتحم الإسلام المدينة عليهم، إلى يومنا هذا. والذي ما يزال هو هو اليوم وغدا يتلقى كل تجمع إسلامي، وكل حركة إسلامية، وكل بعث إسلامي، على مدار القرون! ولقد كان التشكيك في نبوة محمد - ﷺ - ورسالته، هو الهدف الأول لحملات اليهود الذي يسهل بعد بلوغه تحويل المسلمين عن قيادتهم الأمينة - بعد تحويلهم عن عقيدتهم القويمة. ومن ثم يسهل تفتيت الصف المسلم، وإيهان تماسكه. فهذا التماسك حول العقيدة القويمة والقيادة الأمينة، هو الذي يتعب اليهود وأعداء الجماعة المسلمة - في كل زمان - وهو الذي يكلفهم الجهد والمشقة. ومن ثم تتجه جهودهم أولا لتحطيمه. وتسليم مقادة المسلمين إلى الهوى والجاهلية من جديد! ومن ثم نجد في السورة بيانا للحقيقة البسيطة في رسالة النبي - ﷺ - فهي ليست بدعا من الرسالات ولا غريبة من الغرائب، التي لا عهد للأرض بها أو لا عهد بها لبني إسرائيل أنفسهم. إنما هي حلقة من سلسلة الحجة التي يأخذها اللّه على العباد قبل الحساب. فقد أوحى إليه كما أوحى إلى الرسل من قبله.
وقد آتاه اللّه النبوة والحكم، كما آتى أنبياء بني إسرائيل! فلا غرابة في رسالته، ولا غرابة في قيادته، ولا غرابة في حاكميته. وكلها مألوف في عالم الرسالات. وكل تعلات بني إسرائيل في هذا الأمر كاذبة، وكل شبهاتهم كذلك باطلة. ولهم سوابق مثلها مع نبيهم الأكبر موسى عليه السلام، ومع أنبيائهم من بعده، وبخاصة مع عيسى عليه السلام، ومن ثم لا يجوز أن يلقي باله إليها أحد من المسلمين.
وتتولى آيات كثيرة في السورة بيان هذه الحقيقة. نقتطف بعضها في هذا المجمل حتى تجيء كلها مشروحة في مكانها من السياق :
«إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ، وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، لِئَلَّا


الصفحة التالية
Icon