قال القرطبي : وروى عنه - ﷺ - أنه قال :« سورة المائدة تدعى في ملكوت اللّه المنقذة. تنقذ صاحبها من أيدى ملائكة العذاب ».
٥ - ووجه اتصالها بسورة النساء - كما يقول الآلوسى - « أن سورة النساء قد اشتملت على عدة عقود : صريحا وضمنا. فالصريح : عقود الأنكحة وعقد الصداق. وعقد الحلف. وعقد المعاهدة والأمان. والضمنى : عقد الوصية والوديعة. والوكالة. والعارية. والإجارة. وغير ذلك مما يدخل في قوله - تعالى - إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها.
فناسب أن تعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود. فكأنه قيل : يا أيها الناس أوفوا بالعقود التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمت، وإن كان في هذه السورة - أيضا - عقود.
ووجه تقديم النساء وتأخير المائدة. أن أول تلك يا أَيُّهَا النَّاسُ وفيها الخطاب بذلك في مواضع، وهي أشبه بتنزيل المكي. وأول هذه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وفيها الخطاب بذلك في مواضع وهو أشبه بخطاب المدني. وتقديم العام وشبه المكي أنسب.
٦ - وقد وردت روايات تفيد أن سورة المائدة نزلت على النبي - ﷺ - دفعة واحدة. ومن هذه الروايات ما أخرجه الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد قالت : إنى لآخذة بزمام ناقة رسول اللّه العضباء، إذ نزلت عليه المائدة كلها. فكادت من ثقلها تدق عنق الناقة.
وروى الإمام أحمد - أيضا - عن عبد اللّه بن عمرو قال : أنزلت على رسول اللّه - ﷺ - سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها.
وهناك روايات أخرى تحدثت عن زمان ومكان نزولها، ومن هذه الروايات ما أخرجه أبو عبيد عن محمد القرظي قال : نزلت سورة المائدة على رسول اللّه - ﷺ - في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة.
وقال القرطبي : وروى أنها نزلت عند منصرف رسول اللّه من الحديبية.
وهناك روايات تحدثت عن زمان ومكان نزول بعض آياتها.
قال السيوطي في كتابه « الإتقان » - عند حديثه عن معرفة الحضري والسفرى - : وللسفرى أمثلة منها : قوله - تعالى - الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ففي الصحيح عن عمر بن الخطاب : أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة، عام حجة الوداع.
ومنها : آية التيمم. ففي الصحيح عن عائشة، أنها نزلت بالبيداء وهم داخلون المدينة - بعد انتهائهم من غزوة المريسيع كما جاء في بعض الروايات.
ومنها : قوله - تعالى - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فقد نزلت ببطن نخل.