وإذا كان الحسد حتى في العبادات يؤدى إلى القتل وسفك الدماء، فقد شرع اللّه القصاص لحماية الأنفس والأموال والأعراض. فقد ذكر - سبحانه - بعد ذلك جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فسادا. وجزاء السارق والسارقة. وجزاء الذين كفروا بالحق بعد أن جاءهم من عند اللّه.
وخلال ذلك أمر - سبحانه - عباده المؤمنين بتقوى اللّه. وبالتقرب إليه بالعمل الصالح، وبمداومة الجهاد في سبيل اللّه، حتى ينالوا الفلاح في الدنيا والآخرة.
- وبعد هذه التشريعات الحكيمة، نراها في الربع الرابع « ٢ » تحكى لنا بعض الوسائل الخبيثة التي اتبعها اليهود في محاربتهم للدعوة الإسلامية فذكرت بعض أقوالهم التي كانوا يقولونها عند ما يأتون إلى النبي - ﷺ - ليتحاكموا إليه في منازعاتهم يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ووصفتهم بأنهم سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ.
وأرشدت الرسول - ﷺ - إلى طريقة التعامل معهم فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ. وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً. وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
ثم بعد أن مدحت التوراة، ووصفت الذين لم يحكموا بما أنزل اللّه بالكفر. والظلم. بعد كل ذلك نوهت بشأن عيسى - عليه السلام - وبشأن الإنجيل، وأمرت أهله بأن يحكموا بما أنزل اللّه فيه. قال : تعالى - وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى الحديث عن القرآن الكريم، فوصفته بأنه هو الكتاب المصدق لما بين يديه من الكتب، وهو المهيمن عليها، وهو الذي إليه المرجع في الأحكام، وأن الذين يبغون التحاكم إلى غيره ضالون ظالمون.
قال - تعالى - أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
- ثم وجهت السورة الكريمة في مطلع الربع الخامس منها نداء إلى المؤمنين أمرتهم فيه بأن يجعلوا ولايتهم للّه ولرسوله ولإخوانهم في العقيدة، ونهتهم عن موالاة الذين يخالفونهم في الدين. ووصفت الذين يتولون من غضب اللّه عليهم بالنفاق ومرض القلب، وبشرت المطيعين للّه بالنصر والظفر قال - تعالى : وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ.
ثم أمرت السورة الكريمة النبي - ﷺ - أن يوبخ أهل الكتاب بسبب كراهيتهم لأهل الحق، وأن يخبرهم بأن المستحقين للكراهية هم أولئك الذين لعنهم اللّه وغضب عليهم، لكفرهم، ومسارعتهم في الإثم والعدوان. ولافترائهم على اللّه - تعالى - الكذب، حيث وصفوه - سبحانه - بالبخل والشح.
قال - تعالى - : وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا. بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ. وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً. وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى