ثم أخبرتهم بأنه إذا كان اللّه - تعالى - قد أحل لهم الطيبات، فإنه في الوقت نفسه قد حرم عليهم الخبائث، وعلى رأس هذه الخبائث : الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، فعليهم أن يجتنبوا هذه الأرجاس لينالوا رضا اللّه في عاجلتهم وآجلتهم.
ثم ساقت السورة الكريمة ألوانا من مظاهر نعم اللّه على عباده ورحمته بهم حيث أباح لهم أن يتمتعوا بما أحله اللّه لهم مع مراقبته وخشيته في كل ما يأتون وما يذرون، ومع التزامهم بتعاليم شريعة اللّه في الحل وفي الحرم.
وبعد هذا الحديث المستفيض عما أحله اللّه وعما حرمه، أخذت السورة في مطلع الربع الثامن منها في التنويه بشأن الكعبة وبشأن البيت الحرام، ووظيفة الرسول - ﷺ -.
ثم نهت المؤمنين عن الأسئلة التي لا منفعة من ورائها، فإن هذا يتنافى مع ما يقتضيه إيمانهم من أدب في القول، ومن تطلع إلى ما ينفع ويفيد، قال - تعالى - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها، وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ. قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ.
ثم حكت السورة أنواعا من الأوهام التي تعلق بها أهل الجاهلية، حيث حرموا على أنفسهم بعض المطاعم التي أحلها اللّه، مستندين في تحريمهم ما حرموه إلى عادات جاهلية اعتنقوها، وهذه العادات أبعد ما تكون عن شرع اللّه وعما تقتضيه العقول السليمة.
وفي وسط هذا الحديث عما أحله اللّه وحرمه، ساقت السورة توجيها حكيما للمؤمنين، حيث بينت لهم أن الداعي إلى اللّه متى قام بواجبه نحو ربه، ونحو نفسه، ونحو غيره، فإنه لا يكون بعد ذلك مسئولا عن ضلال من يضل.
قال - تعالى - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
وبعد أن بينت بعض الأحكام التي تتعلق بالوصية ووسائل إثباتها، نوهت السورة الكريمة في الربع الأخير منها بشأن عيسى - عليه السلام - وحكت بعض المعجزات التي أيده اللّه بها في رسالته، وقصت ما طلبه الحواريون منه حيث قالوا له - كما حكى القرآن عنهم :
هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ وساقت ما دار بينهم وبين عيسى - عليه السلام - من محاورات في هذه المسألة.
ثم ختمت السورة حديثها عن عيسى بتلك الآيات التي تحكى براءته من كل ما افتراه المفترون عليه، وأنه - عليه السلام - لم يأمر قومه إلا بعبادة اللّه وحده، وأنه لم يكن إلا رسولا من رسل اللّه الذين أخلصوا


الصفحة التالية
Icon