، والطبراني، عن ابن عبّاس ؛ وأبو الشيخ عن أبَيّ بن كعب. وعن ابن عبّاس أنّها نزلت بمكّة جملة واحدة ودعا رسول الله الكُتّاب فكتبوها من ليلتهم.
وروى سفيان الثوري، وشريك عن أسماء بنت يزيد الأنصارية : نزلت سورة الأنعام على رسول الله جملة وهو في مسير وأنا آخذة بزمام ناقته إن كادت من ثقلها لتكْسِر عظام الناقة. ولم يعيّنوا هذا المسير ولا زمنه غير أنّ أسماء هذه لا يعرف لها مجيء إلى رسول الله قبل هجرته ولا هي معدودة فيمن بايع في العقبة الثانية حتى يقال : إنها لقيته قبل الهجرة، وإنّما المعدودة أسماء بنت عمرو بن عدي. فحالُ هذا الحديث غير بيّن. ولعلّه التبس فيه قراءة السورة في ذلك السفر بأنّها نزلت حينئذٍ.
قالوا : ولم تنزل من السور الطوال سورة جملة واحدة غيرها. وقد وقع مثل ذلك في رواية شريك عن أسماء بنت يزيد كما علمته آنفاً، فلعلّ حكمة إنزالها جملة واحدة قطعُ تعلّل المشركين في قولهم لولا نُزّل عليه القرآن جملة واحدة ( ( الفرقان : ٣٢ ). توهّماً منهم أنّ تنجيم نزوله يناكد كونه كتاباً، فأنزل الله سورة الأنعام. وهي في مقدار كتاب من كتبهم التي يعرفونها كالإنجيل والزبور، ليعلموا أنّ الله قادر على ذلك، إلاّ أنّ حكمة تنجيم النزول أولى بالمراعاة. وأيضاً ليحصل الإعجاز بمختلف أساليب الكلام من قصر وطول وتوسّط، فإنّ طول الكلام قد يقتضيه المقام، كما قال قيس بن خارجة يفخر بما عنده من الفضائل :( وخطبةٌ من لدُن تطْلُعُ الشمس إلى أن تغرب الخ )...
وقال أبو دؤاد بن جرير الأيادي يمدح خطباء إياد :
يرمون بالخطب الطوال وتارة وحْيُ الملاحظ خيفة الرقباء
واعلم أنّ نزول هذه السورة جملة واحدة على الصحيح لا يناكد ما يذكر لبعض آياتها من أسباب نزولها، لأنّ أسباب نزول تلك الآيات إن كان لحوادث قبل الهجرة فقد تتجمّع أسباب كثيرة في مدة قصيرة قبل نزول هذه السورة، فيكون نزول تلك الآيات مسبّباً على تلك الحوادث، وإن كان بعد الهجرة جاز أن تكون تلك الآيات مدنيّة ألحقت بسورة الأنعام لمناسبات. على أنّ أسباب النزول لا يلزم أن تكون مقارنة لنزول آيات أحكامها فقد يقع السبب ويتأخّر تشريع حكمه.
وعلى القول الأصحّ أنّها مكيّة فقد عدّت هذه السورة الخامسة والخمسين في عدّ نزول السور. نزلت بعد سورة الحجر وقبل سورة الصافات.
وعدد آياتها مائة وسبع وستّون في العدد المدني والمكّي، ومائة وخمس وستّون في العدد الكوفي، ومائة وأربع وستون في الشامي والبصري.
أغراض هذه السورة


الصفحة التالية
Icon