وأما الآية الثانية فقد ورد فيها لفظ « الأنعام » ثلاث مرات، وقد كشف القرآن فيها عن بعض أعمال المشركين المنكرة، وهي أنهم جعلوا الأنعام ثلاثة أقسام :
قسما لا يأكل منه عند ذبحه إلا سدنة الأوثان والرجال دون النساء. وقسما يحرم ركوبه كالبحيرة والسائبة والحامى، وقسما لا يذكرون اسم اللّه عليه عند الذبح وإنما يذكرون أسماء آلهتهم. قال تعالى : وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ، وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها، وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ، سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ.
وفي الآية الثالثة تحدث القرآن عن لون من ألوان ظلمهم وجهلهم، فقد كانوا يجعلون بعض ما في بطون أنعامهم إذا نزل حيّا كان خاصّا بالرجال دون النساء، وإذا نزل ميّتا فالرجال والنساء فيه شركاء. قال تعالى : وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ، سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.
أما الآية الرابعة، فقد بين القرآن فيها جانبا من نعم اللّه على عباده، إذ جعل لهم من الأنعام أنواعا تذبح لينتفعوا بلحومها وشحومها وجلودها وأنواعا تحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس. قال تعالى : وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً، كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ».
وهناك آيات أخرى سوى هذه الآيات السابقة تناول الحديث فيها أحكاما أخرى تتعلق بالأنعام، وسنفصل القول فيها عند تفسيرنا لها - بعون اللّه - تعالى -.
٥ - مناسبتها لما قبلها :
وقد جرت عادة بعض المفسرين أن يعقدوا مناسبة بين السورة وبين سابقتها، ولعل أكثرهم توسعا في ذلك الإمام الآلوسى فقد قال :« ووجه مناسبتها لآخر المائدة أنها افتتحت بالحمد والمائدة اختتمت بفصل القضاء وهما متلازمان، كما قال - سبحانه - وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وقال الجلال السيوطي في وجه المناسبة :« إنه - تعالى - لما ذكر في آخر المائدة لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ على سبيل الإجمال، افتتح - جل شأنه - هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله، فبدأ - سبحانه - بذكر خلق السموات والأرض، وضم - تعالى - إليه أنه جعل الظلمات والنور، وهو بعض ما تضمنه ما فيهن، ثم ذكر أنه خلق النوع الإنسان وقضى له أجلا وجعل له أجلا آخر للبعث، وأنه - جل جلاله - منشئ القرون قرنا بعد قرن، ثم قال - تعالى - قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلخ.


الصفحة التالية
Icon