* أما الثانى :" اسلوب التلقين " فإنه يظهر جليا في تعليم الرسول ( - ﷺ - ) تلقين الحجة، ليقذف بها في وجه الخصم بحيث يأخذ عليه سمعه، ويملك عليه قلبه فلا يستطيع التخلص أو التفلت منها، ويأتى هذا الاسلوب بطريق السؤال والجواب، يسألهم ثم يجيب، استمع إلى الآيات الكريمة [ قل لمن ما في السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ].. [ قل أى شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بينى وبينكم ].. [ قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به ]. [ وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل ان الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون ] وهكذا تعرض السورة الكريمة لمناقشة المشركين، وإفحامهم بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة، التي تقصم ظهر الباطل. ومن هنا كانت سورة الأنعام بين السور المكية ذات شأن في تركيز الدعوة الإسلامية ((يقول الامام الرازي :" امتازت هذه السورة بنوعين من الفضيلة : أحدهما أنها نزلت دفعة واحدة، وثانيهما أنه شيعها سبعون ألفا من الملائكة، والسبب في هذا الامتياز أنها مشتملة على دلائل التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، وابطال مذاهب المبطلين والملحدين " ويقول الإمام القرطبي : إن هذه السورة اصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين، ومن كذب بالبعث والنشور، وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة ))، تقرر حقائقها، وتثبت دعائمها، وتفند شبه المعارضين لها، بطريق التنويع العجيب في المناظرة والمجادلة، فهي تذكر توحيد الله جل وعلا في الخلق والإيجاد، وفي التشريع والعبادة، وتذكر موقف المكذبين للرسل، وتقص عليهم ما حاق بأمثالهم السابقين، وتذكر شبههم في الوحي والرسالة، وتذكر يوم البعث والجزاء، وتبسط كل هذا بالتنبيه إلى الدلائل في الأنفس والأفاق، وفي الطبائع البشرية وقت الشدة والرخاء. وتذكر أبا الأنبياء إبراهيم وجملة من أبنائه الرسل، وترشد الرسول ( - ﷺ - ) إلى اتباع هداهم وسلوك طريقهم، في احتمال المشاق وفي الصبر عليها، وتعرض لتصوير حال المكذبين يوم الحشر، وتفيض في هذا بألوان مختلفة. ثم تعرض لكثير من تصرفات الجاهلية التي دفعهم إليها شركهم فيما يختص بالتحليل والتحريم وتقضي عليه بالتفنيد والإبطال، ثم تختم السورة بعد ذلك - في ربع كامل - بالوصايا العشر التي نزلت في كل الكتب السابقة، ودعا إليها جميع الأنبياء السابقين [ قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم.. ] الآية. وتنتهي بآية فذة تكشف للإنسان عن مركزه عند ربه في هذه الحياة، وهو أنه خليفة في الأرض، وأن الله سبحانه جعل عمارة الكون، تحت يد الإنسان تتعاقب عليها أجياله، ويقوم اللاحق منها مقام السابق، وأن الله سبحانه قد فاوت في المواهب بين أفراد الإنسان لغاية سامية وحكمة عظيمة وهي " الابتلاء والاختبار " في القيام بتبعات هذه الحياة، وذلك شأن يرجع إليه كما له المقصود من هذا الخلق وذلك النظام [ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سربع العقاب وإنه لغفور رحيم ]


الصفحة التالية
Icon