الآية « ٣٠ » لأن موضوعها ائتمار قريش بالنبي - ﷺ - قبيل الهجرة، بل في الليلة التي خرج فيها رسول اللّه - ﷺ - مع صاحبه أبى بكر بقصد الهجرة وباتا في الغار، وهذا استنباط من المعنى، وهو استنباط يرده ما صح عن ابن عباس من أن الآية نفسها نزلت في المدينة.
وزاد بعضهم استثناء خمس آيات أخرى بعد هذه الآية، وهي قوله - تعالى - : وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا.. إلى قوله : بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ « الآيات من ٣١ - ٣٥ » لأن موضوعها حال كفار قريش في مكة، وهذا لا يقتضى نزولها في مكة، بل ذكّر اللّه بها رسوله بعد الهجرة، وكل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني » « ١ ».
والذي ترتاح إليه النفس أن سورة الأنفال جميعها مدنية، وأن ما في بعض آياتها من أوصاف لأحوال المشركين في مكة قبل الهجرة لا يعنى كون هذه الآيات مكية لأن هذه الآيات إنما هي من باب تذكير الرسول وأصحابه بما كان عليه أولئك القوم من عناد ومكابرة وانحراف عن الطريق القويم، أدى بهم إلى الهزيمة في بدر وفي غيرها من المعارك التي كان النصر فيها للمؤمنين.
٥ - وقد ذكر بعض المفسرين - ومنهم الزمخشري - أن سورة الأنفال نزلت بعد سورة البقرة، ولعل مرادهم بذلك أن نزولها كان بعد نزول بعض الآيات من سورة البقرة، لأنه من المعروف أن سورة البقرة لم تنزل دفعة واحدة، وإنما ابتدأ نزولها بعد الهجرة، ثم امتد هذا النزول لآياتها إلى قبيل وفاة الرسول - ﷺ - بمدة قصيرة.
٦ - قال الآلوسى : ووجه مناسبتها لسورة الأعراف أن سورة الأعراف فيها خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ... وفي هذه - أى الأنفال - كثير من أفراد المأمور به، وفي الأعراف ذكر قصص الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مع أقوامهم، وفي هذه ذكره - ﷺ - وذكر ما جرى بينه وبين قومه.
وقد فصل - سبحانه - في تلك - قصص آل فرعون وأضرابهم وما حل بهم وأجمل في هذه ذلك فقال : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ...
وأشار هناك إلى سوء زعم الكفرة في القرآن بقوله - تعالى - : وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها... وصرح بذلك هنا إذ يقول.. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا... إلى غير ذلك من المناسبات.
ثم قال الآلوسى :« والظاهر أن وضعها هنا توقيفي، وكذا وضع براءة بعدها، وإلى ذلك ذهب غير واحد... ».