أراد أن يعلمهم وغيرهم أن الخير فيما قدره، لا فيما يقدرون ويريدون. استمع إلى السورة الكريمة بتأمل وتدبر وهي تصور هذه المعاني بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول.
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ، وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.
(ج) ثم تسوق السورة بعد ذلك ألوانا من البشارات التي تشعر المؤمنين بأن اللّه - تعالى - قد أجاب لهم دعاءهم، وأنه - سبحانه - سيجعل النصر في هذه المعركة حليفا لهم.
ومن مظاهر هذه البشارات أن اللّه - تعالى - أمدهم بألف من الملائكة مردفين، وأمدهم بالنعاس ليكون مصدر طمأنينة لقلوبهم، وأمدهم بمياه الأمطار ليتطهروا بها، ولتثبت الأرض من تحتهم، وأمدهم قبل ذلك وبعده بعونه الذي جعلهم يقبلون على قتال أعدائهم بقلوب ملؤها الإقدام والشجاعة.
قال - تعالى - : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ.
(د) ثم وجهت السورة الكريمة خمسة نداءات إلى المؤمنين، أرشدتهم في كل واحد منها إلى ما فيه خيرهم وفلاحهم.
فقد أمرتهم في النداء الأول بالثبات في وجوه أعدائهم، ونهتهم عن الفرار منهم، وهددت من يوليهم دبره بسوء المصير، وأخبرتهم بأن اللّه معهم ما داموا معتمدين عليه، ومستجيبين لما يدعوهم إليه.
وأمرتهم في النداء الثاني بطاعة اللّه ورسوله، وحذرتهم من المعصية، ومن التشبه بالكافرين الذين « قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ».
وأمرتهم في النداء الثالث بالمسارعة إلى أداء ما كلفوا به من تكاليف فيها سعادتهم وفلاحهم، وخوفتهم من ارتكاب ذنوب لا يحيق شرها بالذين ارتكبوها وحدهم، وإنما يعمهم وغيرهم ممن رأوا المنكر فلم يعملوا على تغييره.
ونهتهم في النداء الرابع عن خيانة اللّه ورسوله، أى : عن ترك فرائض اللّه، وعن هجر سنة رسوله.. وحذرتهم من أن تشغلهم أموالهم وأولادهم عن طاعة اللّه وعن أداء واجباته.


الصفحة التالية
Icon