وأما النداء الخامس : فقد لفت نظرهم فيه إلى ثمرة التقوى، وذكرهم بأنها أساس الخير كله، وأن من أعظم ثمرات التقوى ذلك النور الرباني، الذي يقذفه الله في قلب المؤمن، وبه يفرق بين الرشد والغي، والهدى والضلال [ يا ايها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم، والله ذو الفضل العظيم ].
وأما النداء السادس : وهو النداء الأخير فقد وضح الله لهم فيه طريق العزة، وأسس النصر، وذلك بالثبات أمام الأعداء، والصبر عند اللقاء، وإستحضار عظمة الله التي لا تحد، وقوته التى لا تقهر، والإعتصام بالمدد الروحي الذي يعينهم على الثبات، ألا وهو ذكر الله كثيرا [ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ].
وختمت السورة الكريمة ببيان الولاية الكاملة بين المؤمنين، وأنه مهما تناءت ديارهم، واختلفت أجناسهم، فهم أمة واحدة، وعليهم نصر الذين يستنصرونهم في الدين، كما أن ملة الكفر أيضا واحدة، وبين الكافرين ولاية قائمة على أسس البغي والضلال، وأنه لا ولاية بين المؤمنين والكافرين [ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ]. " هذه خلاصة ما أشارت اليه السورة الكريمة من أهداف، وما أرشدت اليه من دروس وعبر، نسأله تعالى أن يجعلنا من أهل الفهم والبصر. (١)
ومقصد هذه السورة تبرؤ العباد من الحول والقوة، وحثهم على التسليم لأمر الله المثمر لاجتماع الكلمة المثمر لنصر الدين وإذلال المفسدين المنتج لكل خير، والجامع لذلك كله أنه لما ثبت بالسور الماضية وجوب اتباع أمر الإله والاجتماع عليه لما ثبت من تفرده واقتداره، كان مقصود هذه إيجاب اتباع الداعي إليه بغاية الإذغان والتسليم والرضى والتبرؤ من كل حول وقوة إلى من انعم بذلك ولو شاء سلبه وأدل ما فيها على هذا قصة الأنفال التي اختلفوا في امرها وتنازعوا قسمها فمنعهم الله منها وكف عنهم حظوظ الأنفس وألزمهم الإخبات والتواضع، وأعطاها نبيه ( - ﷺ - ) لأنه الذي هزمهم بما رمى من الخصبات التي خرق الله فيها العادة بأن بثها في أعين جميعهم وبما أرسل من جنوده، فكأن الأمر له وحده، يمنحه من يشاء، ثم لما صار له النبي ( - ﷺ - )، رده فيهم منة منه عليهم وإحساناً إليهم، واسمها الجهاد كذلك لأن الكفار دائماً أضعاف المسلمين، وما جاهد قوم من أهل الإسلام قط إلا أكثر منهم، وتجب مصابرة الضعف، فلو كان النظر إلى غير قوته سبحانه ماأطيق ذلك، ولهذه المقاصد سنت قراءتها في الجهاد لتنشيط المؤمنين للجلاد، وإن كثرت من الأعادي الجموع والأعداد، وتوالت إليهم زمر الأمداد

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (١ / ٣٢٦)


الصفحة التالية
Icon