الكبرى - في نظر الإسلام - هي خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر.. وهذه هي «العبادة» التي يقرر أنها لا تكون إلا للّه. وأن من يتوجه بها لغير اللّه يخرج من دين اللّه مهما ادعى أنه في هذا الدين. ولقد نص رسول اللّه - ﷺ - على أن «الاتباع» في الشريعة والحكم هو «العبادة» التي صار بها اليهود والنصارى «مشركين» مخالفين لما أمروا به من «عبادة» اللّه وحده.. أخرج الترمذي - بإسناده - عن عدى بن حاتم - رضي اللّه عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول اللّه - ﷺ - فر إلى الشام. وكان قد تنصر في الجاهلية. فأسرت أخته وجماعة من قومه. ثم منّ رسول اللّه - ﷺ - على أخته وأعطاها. فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام، وفي القدوم على رسول اللّه - ﷺ - فتحدث الناس بقدومه. فدخل على رسول اللّه - ﷺ - وفي عنقه (أي عدي) صليب من فضة وهو (أي النبي - ﷺ - ) يقرأ هذه الآية :«اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ».. قال : فقلت : إنهم لم يعبدوهم. فقال :«بلى! إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام. فاتبعوهم. فذلك عبادتهم إياهم»...
وتفسير رسول اللّه - ﷺ - لقول اللّه سبحانه، نص قاطع على أن الاتباع في الشريعة والحكم هو العبادة التي تخرج من الدين، وأنها هي اتخاذ بعض الناس أربابا لبعض.. الأمر الذي جاء هذا الدين ليلغيه، ويعلن تحرير «الإنسان»، في «الأرض» من العبودية لغير اللّه..
ومن ثم لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في «الأرض» لإزالة «الواقع» المخالف لذلك الإعلان العام.. بالبيان وبالحركة مجتمعين.. وأن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبد الناس لغير اللّه - أي تحكمهم بغير شريعة اللّه وسلطانه - والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى «البيان» واعتناق «العقيدة» بحرية لا يتعرض لها السلطان.
ثم لكي يقيم نظاما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا يسمح لحركة التحرر بالانطلاق الفعلي - بعد إزالة القوة المسيطرة - سواء كانت سياسية بحتة، أو متلبسة بالعنصرية أو الطبقية داخل العنصر الواحد!
إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته.. ولكن الإسلام ليس مجرد «عقيدة»..
إن الإسلام كما قلنا إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد. فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان.. ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحرارا - بالفعل - في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم - بعد رفع الضغط السياسي عنهم وبعد البيان المنير لأرواحهم وعقولهم - ولكن هذه الحرية ليس معناها أن يجعلوا إلههم هواهم أو أن يختاروا بأنفسهم أن يكونوا عبيدا للعباد! وأن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللّه!.. إن النظام الذي يحكم البشر في الأرض يجب أن تكون قاعدته العبودية للّه وحده وذلك بتلقي الشرائع منه وحده. ثم