دون استفتاح. وشأن العرب وإذا كان بينهم عهد فأرادوا نقضه، كتبوا إلى القوم الذين ينبذون إليهم بالعهد كتابا ولم يفتتحوه بكلمة "باسمك اللهم" فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي - ﷺ - وبين المشركين بعث عليا إلى الموسم فقرأ صدر براءة ولم يبسمل جريا على عادتهم في رسائل نقض العهود. وقال ابن العربي في "الأحكام": قال مالك فيما روى عنه ابن وهب، وابن القاسم، وابن عبد الحكم: إنه لما سقط أولها، أي سورة براءة سقط بسم الله الرحمان الرحيم معه. ويفسر كلامه ما قاله ابن عطية: روي عن مالك أنه قال: بلغنا أن سورة براءة كانت نحو سورة البقرة ثم نسخ ورفع كثير منها وفيه البسملة فلم يروا بعد أن يضعوه في غير موضعه. وما نسبه ابن عطية إلى مالك عزاه ابن العربي إلى ابن عجلان فلعل في "نسخة تفسير ابن عطية" نقصا.
والذي وقفنا عليه من كلام مالك في ترك البسملة من سورة الأنفال وسورة براءة: هو ما في سماع ابن القاسم في أوائل كتاب الجامع الأول من "العتبية" "قال مالك في أول براءة إنما ترك من مضى أن يكتبوا في أول براءة بسم الله الرحمان الرحيم، كأنه رآه من وجه الاتباع في ذلك، كانت في آخر ما نزل من القرآن. وساق حديث ابن شهاب في سبب كتابة المصحف في زمن أبي بكر وكيف أخذ عثمان الصحف من حفصة أم المؤمنين وأرجعها إليها. قال ابن رشد في "البيان والتحصيل" "ما تأوله مالك من أنه إنما ترك من مضى أن يكتبوا في أول براءة بسم الله الرحمان الرحيم من وجه الاتباع، المعنى فيه والله أعلم أنه إنما ترك عثمان بن عفان ومن كان بحضرته من الصحابة المجتمعين على جمع القرآن البسملة بين سورة الأنفال وبراءة، وإن كانتا سورتين بدليل أن براءة كانت آخر ما أنزل الله من القرآن، وأن الأنفال أنزلت في بدر سنة أربع، اتباعا لما وجدوه في الصحف التي جمعت على عهد أبي بكر وكانت عند حفصة". ولم يذكر ابن رشد عن مالك قولا غير هذا. (١)
تمهيد بين يدي تفسير سورة التوبة
نقصد بهذا التمهيد - كما سبق أن بينا في تفسير السور السابقة - إعطاء القارئ صورة واضحة عن السورة التي سنفسرها قبل أن نبدأ في تفسيرها آية آية. فنقول :
١ - سورة التوبة هي السورة التاسعة في ترتيب المصحف، فقد سبقتها سور الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال.
٢ - وعدد آياتها مائة وتسعة وعشرون آية عند الكوفيين. ومائة وثلاثون آية عند جمهور العلماء.
٣ - أسماؤها :

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (١٠ / ٥)


الصفحة التالية
Icon