قال القرطبي : كانتا تدعيان القرينتين فوجب أن تجمعا وتضم إحداهما إلى الأخرى للوصف الذي لزمهما من الاقتران ورسول اللّه - ﷺ - حي..
٧ - المقاصد الإجمالية لسورة التوبة :
عند ما نقرأ سورة التوبة بتأمل وتدبر نراها في مطلعها تحدد تحديدا حاسما المنهاج الذي يجب أن يسلكه المؤمنون في علاقتهم مع المشركين، وتبين بوضوح وجلاء الأسباب التي تدعو المؤمنين إلى التزام هذا المنهاج.
فهي في أولها تعلن براءة اللّه ورسوله من المشركين بسبب خيانتهم، وتمنحهم الأمان لمدة أربعة أشهر لكي يدبروا فيها أمر أنفسهم، وتعلن للناس عامة يوم الحج الأكبر أن اللّه ورسوله قد برئا من عهود المشركين، وأنها قد نبذت إليهم، وتستثني من هؤلاء المشركين أولئك الذين لم ينقضوا، فتأمر المؤمنين بأن يتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم، فإذا ما انتهت مدة الأمان فعلى المؤمنين أن يقتلوا المشركين الناكثين حيث وجدوهم، وأن يؤمنوا من يطلب الأمان منهم حتى يسمع القرآن ويتدبره، ويطلع على حقيقة الإسلام. وبذلك لا يبقى له عذر.
استمع إلى السورة الكريمة وهي تصور كل هذه المعاني بأسلوبها البليغ الحاسم فتقول :
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
ثم تسوق السورة بعد ذلك الأسباب التي دعت إلى البراءة من المشركين. والتي أوجبت على المؤمنين قتالهم، وحرضتهم على ذلك بأنواع من المشجعات فقالت : أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ؟ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
ثم توجه السورة الكريمة خطابها إلى الذين شق عليهم القتال من المؤمنين، وتبين أن الحكمة في الأمر به، إنما هي الامتحان والتمحيص فتقول : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ، وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
ثم تصرح السورة الكريمة بعد ذلك بأن المؤمنين وحدهم هم الذين من حقهم أن يعمروا مساجد اللّه... أما المشركون فليس من حقهم ذلك بسبب كفرهم ونجاستهم. قال تعالى : ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا


الصفحة التالية
Icon