(د) وأرشدتهم إلى أنه في حالة عدم خروج النبي - ﷺ - معهم للجهاد، عليهم أن يقسموا أنفسهم إلى قسمين : قسم يخرج للجهاد وقسم آخر يبقى مع النبي - ﷺ - ليتعلم منه العلم ويحفظ عنه ما تجدد من أحكام. وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ :
(ه) ثم ختم. سبحانه. هذه السورة الكريمة بهاتين الآيتين الدالتين على سابغ رحمته بعباده، حيث أرسل إليهم رسولا من أنفسهم حريصا على منفعتهم رحيما بهم، فقال تعالى :
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
أما بعد : فهذا عرض إجمالى لما اشتملت عليه سورة التوبة من موضوعات ومن هذا العرض يتبين لنا أن السورة الكريمة قد اهتمت بأمور معينة من أهمها ما يأتى :
١ - رسم المنهاج النهائى الذي يجب أن يسير عليه المسلمون في علاقاتهم مع مشركي العرب، ومع أهل الكتاب، ومع المنافقين، مع بيان الأسباب التي تدعو المسلمين إلى التزام هذا المنهاج.
٢ - كشف الغطاء عن المنافقين وأصنافهم وأوصافهم، وعما انطوت عليه قلوبهم من أحقاد، وعما سلكوه من مسالك خبيثة لمحاربة الدعوة الإسلامية، ومناوأة أتباعها الصادقين.
وقد أفاضت السورة في الحديث عن ذلك إفاضة لا توجد في غيرها من سور القرآن الكريم.
٣ - حددت السورة الكريمة معالم المجتمع الإسلامى بعد أن تم فتح مكة، وبعد أن دخل الناس في دين اللّه أفواجا.
فأثنت على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ووعدتهم بالفوز العظيم. قال تعالى : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
وحكمت على كل فريق من المتخلفين عن غزوة تبوك من أهل المدينة وما حولها بالحكم الذي يناسبه. قال تعالى : وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ.
وقال تعالى : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ.
وقال تعالى : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.
وهكذا نرى السورة الكريمة قد وضحت الطوائف المتنوعة التي كان المجتمع الإسلامى يتكون منها عند نزولها، أى : بعد أن تم فتح مكة.


الصفحة التالية
Icon