وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [يونس : ٢٢] إلى أن قال سبحانه : فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [يونس : ٢٣] وأيضا في الأولى براءة الرسول - ﷺ - من المشركين مع الأمر بقتالهم على أتم وجه وفي هذه براءته - ﷺ - من عملهم لكن من دون أمر بقتال بل أمر فيها عليه الصلاة والسلام أن يظهر البراءة فيها على وجه يشعر بالإعراض وتخلية السبيل كما قيل على ضد ما في الأولى وهذا نوع من المناسبة أيضا وذلك في قوله تعالى : وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يونس : ٤١] إلى غير ذلك، والعجب من الجلال السيوطي عليه الرحمة كيف لم يلح له في تناسق الدرر وجه المناسبة بين السورتين وذكر وجه المناسبة بين هذه السورة وسورة الأعراف وقد يوجد في الإسقاط ما لا يوجد في الإسقاط (١)
سورة يونس من السور المكية التي تعنى بأصول العقيدة الاسلامية (الايمان بالله تعالى، والايمان بالكتب، والرسل، والبعث والجزاء) وهي تتميز بطابع التوجيه الى الايمان بالرسالات السماوية، وبوجه أخص الى " القرآن العظيم " خاتمة الكتب المنزلة، والمعجزة الخالدة على مدى العصور والدهور لسيد الانبياء ( - ﷺ - )
تحدثت السورة الكريمة في البدء عن الرسالة والرسول، وبينت ان هذه سنة الله في الاولين والاخرين، فما من امة الا بعث الله اليها رسولا، فلا داعي للمشركين للعجب من بعثة خاتم المرسلين [ أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس.. ] ؟ ثم تلتها الآيات عن بيان حقيقة " الألوهية " و " العبودية " واساس الصلة بين الخالق والمخلوق، وعرفت الناس بربهم الحق الذي ينبغي ان يعبدوه، وان يسلموا وجوههم اليه، فهو وحده الخالق الرازق، المحي المميت، المدبر الحكيم، وكل ما سواه فباطل وهباء [ إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام.. ] الآيات. وتناولت السورة الكريمة موقف المشركين من الرسالة والقرآن، وذكرت ان هذا القرآن هو (المعجزة الخالدة) الدالة على صدق النبي الأمي، وأنه يحمل برهانه في تفرده المعجز، حيث تحداهم ان يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، مع أنهم اساطين الفصاحة، وامراء البيان [ أم يقولون افتراه، قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ]. وانتقلت السورة لتعريف الناس بصفات الإله الحق، بذكر آثار قدرته ورحمته، الدالة على التدبير الحكيم، وما في هذا الكون المنظور من آثار القدرة الباهرة، التي هي اوضح البراهين على عظمة الله وجلاله وسلطانه [ قل من يرزقكم من السموات والأرض ؟ أمن يملك السمع