ثم قصت علينا السورة الكريمة، ما فعله إبراهيم - عليه السلام - عند ما جاءه رسل اللّه بالبشرى، وكيف أنهم قالوا له عند ما أنكرهم وأوجس منهم خيفة : لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ....
ثم وضحت حال لوط - عليه السلام - عند ما جاءه هؤلاء الرسل وحكت ما دار بينه وبين قومه الذين جاءوه يهرعون إليه عند ما رأوا الرسل، فقال لهم : يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي، أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ.....
فيقولون له في صفاقة وانحراف عن الفطرة السليمة : لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ.
وأسقط في يد لوط - عليه السلام -، وأحس بضعفه أمام هؤلاء المنحرفين المندفعين إلى ارتكاب الفاحشة، اندفاع المجنون إلى حتفه، فقال بأسى وحزن : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.
وهنا كشف له الرسل عن طبيعتهم، وأخبروه بمهمتهم وطلبوا منه أن يغادر هو ومن آمن معه مكان إقامتهم، فإن العذاب نازل بهؤلاء المجرمين بعد وقت قصير. قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ، لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ، إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ، إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.
ثم تتابع السورة الكريمة في الربع الخامس، حديثها عن جانب من قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم، فتحدثنا عن قصة شعيب - عليه السلام - مع قومه، وكيف أنه قال لهم مقالة كل رسول لقومه يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ.
ثم نهاهم بأسلوب رصين حكيم، عن ارتكاب الفواحش التي كانت منتشرة فيهم، وهي إنقاص الكيل والميزان، وبخس الناس أشياءهم...
ولكنهم - كعادة السفهاء الطغاة - قابلوا نصائحه بالتهكم والاستخفاف والوعيد...
فكانت النتيجة أن حل بهم عذاب اللّه الذي أهلكهم، كما أهلك أمثالهم. قال - تعالى - وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها، أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ.
ثم تسوق السورة بعد ذلك بإيجاز، جانبا من قصة موسى مع فرعون وملئه، الذين اتبعوا أمر فرعون، وما أمر فرعون برشيد.
ثم تعقب على كل تلك القصص السابقة، بتعقيب يدل على أن هذا القرآن من عند اللّه، وأنه - سبحانه - لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون... قال - تعالى - :