لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ. وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ..... (١)
بين هذه السورة وسابقتها تشابه في مواضع كثيرة، حيث احتوت حكاية لأقوال ومواقف تعجيزية عديدة للكفار وردود عليها ومناقشة لها وإفحام لهم فيها.
وفيها سلسلة طويلة من قصص الأنبياء والأمم للتذكير بما كان من مواقف كفار الأمم السابقة من أنبيائهم وما صاروا إليه من سوء المصير وما صار المؤمنون منهم إليه من حسن العقبى والنجاة، تثبيتا وتطمينا للنبي - ﷺ - والمؤمنين وإنذارا للكفار، وفيها تذكير بحكمة اللّه في خلقه التي اقتضت أن لا يكونوا أمة واحدة.
وفصول السورة مترابطة مما يسوغ القول إنها نزلت متتابعة حتى تمت كسابقاتها، والتشابه بينها وبين السورة السابقة قد يكون قرينة على تتابعهما في النزول، والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآيات [١٢ و١٧ و١١٤] مدنيات، وانسجام الآيات في السياق والموضوع مع سابقاتها ولا حقاتها يسوغ الشك في صحة الرواية. (٢)
سورة هود عليه السلام مكية وهي مائة وثلاث وعشرون آية.
تسميتها :
سميت سورة هود لاشتمالها على قصة هود عليه السلام مع قومه :«عاد» في الآيات [٥٠ - ٦٠] وهي كغيرها من قصص القرآن تمثل صراعا حادا عنيفا بين هود عليه السلام وبين قومه الذين دعاهم إلى عبادة اللّه تعالى، وهجر عبادة الأصنام والأوثان، فلما أصروا على كفرهم وتكذيبه، عذبهم اللّه بعذاب غليظ شامل وهو الريح العقيم الصرصر، التي سلطها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما : وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ [هود ١١/ ٥٨] وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى، كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ [الحاقة ٦٩/ ٦ - ٨].
نزولها وشأنها ومناسبتها لما قبلها :
هذه السورة مكية أي نزلت في مكة إلا الآيات الثلاث التالية وهي :
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٣ / ٥٠١)